الرواية المغربية والمقاربة السوسيولوجية مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي -ليلى التجري-

خاض الدكتور الهادي الهروي أستاذ السوسيولوجيا وصاحب عدد كبير من الإصدارات في هذا المجال تجربة جديدة، انفتح خلالها بشكل كبير على الأدب وبالتحديد الرواية، باعتبارها مادة للبحث السوسوسيولوجي، وقد اشتغل على ذلك في كتابه ” الرواية والسوسيولوجيا مظاهر الاندماج والتفاعل” بعنوان فرعي” نماذج لعلاقات الانتظام والتداخل” الصادر حديثا عن روافد المصرية، في 344 صفحة من الحجم الكبير.
في تمهيد هذه الدراسة المهمة يبرر الكاتب اختياره بكون” الاشتغال على علاقة الرواية بالسوسيولوجيا يأتي من منطلق أن كلا من السوسيولوجي والروائي يقارب الظواهر الاجتماعية ويجعلها موضوعا للدراسة او يوظفها في الإبداع الادبي، محاولا مد الجسور ما بين ميادين العلوم الاجتماعية جمعاء”.
وفي نفس السياق قال الكاتب في مقدمة كتابه مبرزا اهمية الرواية بالنسبة للدرس السوسيولوجي على لسان توفيق الحكيم” التجأ الإنسان للرواية لحاجته للتعبير عن حماسه وملاحمه وبطولاته وعن حقيقتة كينونته في العالم وعن رؤيته لتطور بلده ومجتمعه. أن القصة والرواية هما اقدر الفنون الغدب لاستيعاب روح الشعب والتعبير عن نضاله وتطوره، وهما الوريثان الشرعيان للملحمة القديمة”.
في القسم الاول المعنون بالرواية العربية تحدث الكاتب عن مناهل الرواية العربية المغربية من خلال التوقف عند مرحلة التأسيس واهم الرواد، وقد بدا هذا القسم بفصل سماه الرواية العربية والفارسية الاتصال والانفصال متوقفا عند تأثير الأدب الفارسي القديم وخاصة الزهد والتصوف في الرواية العربية، اما الفصل الثاني فخصصه للمؤثرات الأدبية الغربية في هذه الرواية مركزا في ذلك على الأدب الفرنسي والادب الانجليزي والادب الروسي.
الفصل الثاني سماه الكاتب مؤثرات الأدب الروائي العربي المشرقي في الرواية المغربية مركزا على التأثير العراقي والمصري، هذا الاخير الذي ذكر بعض أعلامه كالطهطاوي وتوفيق الحكيم ويحيى حقي وصنع الله ابراهيم.
في القسم الثاني المعنون الرواية المغربية وسؤال البداية حاول الكاتب التوقف على ظروف النشأة والتطور والإنجاز، متوقفا عند مسارها في مناخ الاستقلال ومرحلة التجريب، كما خصص صفحات لما اعتبرهم صفوة الرواية المغربية الحديثة فتحدث عن عبد الله العروي الذي اعتبره الباحث عن تاريخ لواقع إشكالي ولا تاريخي، واحمد المديني من خلال الوعي المهووس بالتحديث، ومحمد برادة الذي سماه حكيم الرواية المغربية، ثم الميلودي شغموم الذي لقبه بسقراط الروائي الحالم ومحمد الهرادي الذي تناول رواياته من خلال غرائبية اليومي، ومحمد شكري الذي سماه عاشق المستحيل ومحمد زفزاف، الذي أطلق عليه الكاتب رائد الرواية البوهيمية في المغرب و وعبد الرحيم حبيبي الذي سماه ليون العبدي استحضارا لليون الإفريقي. بعد ذلك وفي نفس القسم وبالتحديدد في الفصل الثاني تحدث الكاتب عن الرواية في زمن العولمة من خلال مؤثرات العولمة والحداثة وتشاكل السوسيولوجيا والرواية، قائلا في هذا الصدد ان النسق الفكري لإنسان القرن الواحد والعشرين واجتهاداته ودأبه على البحث في سيرورات التحول البنيوية المتواترة والمساعدة على اكتشاف عوالم جديدة، حتمت على إنتاجاته الأدبية والعلمية ضرورة المواظبة والتتبع لما استجد في ميدان التنظير لسوسيولوجيا الادب”..
وقد توقف الكاتب في هذا الفصل عند الادباء زالكتاب المعاربة الذين اختاروا اللغة الفرنسة اداة للبناء متونهم الروائية، متوقفا عند سردية السجن والالم والهوية الممزقة.
كما تحدث عن أزمنة الرواية المغربية، من خلال اتجاه الأدب الكولونيالي وزمن الاستقلالوزمن الالفية الثالثة، معتبرة الرواية قد عكست قضايا ماكروسوسيولوجية منها المجتمع والمجال الأكسيولوجي والتاريخ والذاكرة.
اما الفصل الثالث فعنونه المؤلف ب “الروائي المغربي سارد اجتماعي مبدع ” متوقفا عند الوجه السوسيولوجي في الرواية المغربية المعاصرة من خلال دراسة نصية تطبيقية لمجموعة من الروايات المغربية، لروائيي الألفية الثالثة هم مصطفى لغتيري ومحمد بن ابراهيم وابراهيم حريري وسعاد الرغاي.
في الفصل الاول من هذا القسم تناول الكاتب بالدرس والتحليل رواية ابن السماء لمصطفى لغتيري ووضعها على المحك السوسيولوجي متناولا أياها من خلال الصورة السردية ودينامية الخطاب الروائي وقراءة في الدلالة والمعنى حيث يقول” ابن السماء نص روائي تخييلي رمزي اراد به صاحبه” مصطفى لغتيري” إثارة نسق من الإشكاليات والتوترات التي لها علاقة بالعقلية الاجتماعية المغربية والمعتقدات والطقوس وال أحكاك(Doxa الدوكسا) والمعنى والمنطق الذي يحكم الناس ويدركون به العالم والأشياء”..
في الفصل الثاني تناول الكاتب رواية اسلاك شائكة لمصطفى لغتيري معتبرا اياه رواية سياسية، واعتبرها في نهاية الدراسة تتميز ببعد سياسي وبعد موضوعاتي وبعد إنساني.
اما الفصل الرابع فخصصه الكاتب لرواية على ضفاف البحيرة وسماه بالرواية النهر وعتبرها تجربة في انسياب الولادة نحو الموت. متوقفا عند الابعد السوسيولوجية للرواية من خلال التنشئة الاجتماعية والرؤية الأنثويةوالحذر والخوف اما التقويم السوسيولوجي والانثربولوجي فقاربه من خلال تحدث الرواية عن ظاهرة البغاء والفساد والكرم والسوق وفضاء الخيمة.
الفصل الخامس خصصه الكاتب لرواية تفاح لحلمة للروائي محمد بن ابراهيم من خلال زمانية الرواية وسرديتها والعناصر الغرائبية فيها.كم قارب رواية ” احداث توشك أن تقع لنفس الكاتب مركزا على الحياة والعلاقات الاجتماعية.
بعد ذلك خصص الكاتب فصلا رواية محجوبة للروائي ابراهيم حريري معتبرا إياها رواية الذاكرة الجماعية وسيرة حب.
القسم الخامس خصصه الكاتب للتجربة الادبية النسائية فعرف الحركة النسوية انطلاقا من فلسفة الجوندر، ومرورا بالحكي النسائي المغربي في مرحلة الازدهار والانفجار، وقد عنون الفصل الثاني ب أميرات الألم في الأدب من خلال اديبات الغرب واديبات المغرب منوقفا عند تجربة تجربة حنان درقاوي وانفجار اللاشعور المخلوقات النارية في عالم الغربة والعهر. وسعاد الرغاي من خلال روايتها” في قفص الاتهام معنونا ذلك بنص الاحتجاج والغضب أو عندما تسرد المرأة جراح المجتمع.
والخلاصة التي يظفر بها قارئ هذا المؤلف المهم هو أنه إذا كان الروائي سوسيولوجيا بالقوة يمارس نوعا من البحث السوسيولوجي من خلال كتابته لنصوصه الروائية، فإن السوسيولوجي يكون متألقا إذا ارتدى جبة الناقد الأدبي.