الزوايا بالمغرب : الأدوار والتطلعات

بقلم : عبد اللطيف بوهلال

 

طالما لعبت الزوايا دوراً مهماً في تاريخ المغرب الديني والسياسي والمجتمعي، وهي تدخل في إطار التصوف المؤسساتي الذي يعد أكثر تنظيماً وتأثيراً من التصوف الفردي. أما الأساس في وجودها فهو النسب الشريف لآل البيت خصوصاً، إضافة إلى الكرامات وعلاقاتها بالسلطة والأدوار التي قامت وتقوم بها تجاه الأفراد

قديماً لعبت الزوايا أدواراً اجتماعية مهمة، فبالإضافة إلى دورها الديني واستقطاب المريدين، اهتمت بالصدقات وإطعام الفقراء والمعوزين وعابري السبيل، وأيضاً تيسير رحلات الحجاج إلى الحجاز. ولم يقتصر دورها على ذلك، بل توسعت مهامها إلى «الجهاد في سبيل الله»، ومواجهة المستعمر، وتوحيد القبائل، وتجييش المجاهدين

وللزوايا اليوم دور مهم في تحقيق التوازن الديني والسياسي، خصوصاً أن التدين الصوفي لا يزعج السلطة ولا يشكل أي قلق لها، وهو ما فطنت إليه فاهتمت بمركزة الحقل الديني، واهتمت أساساً بدعم التدين المحلي التقليدي المبني على الصوفية والمذهب المالكي، داعمة الزوايا بالهبات والهدايا والحرص على تأمين أنشطتها الدينية، خصوصاً ما يعرف بالمواسم أو الموالد السنوية، بل العمل على إحياء طرق صوفية اندثرت عبر الزمن، خصوصاً مع انتشار المد السلفي وحركات الإسلام السياسي

وعليه يمكن القول إن التصوف والزوايا جزء مهم اليوم من المنظومة الدينية للمغرب، ومن أبرز محددات الهوية الدينية، وهو يلعب دوراً مهماً في توازن الحقل الديني والحد من امتداد الحركات المتطرفة والمغالية في الدين بما يعزز الأمن الروحي للمغاربة

هذا وقد قامت الزوايا بدور مهم في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية وغيرها، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك هو المستوى الثقافي ما خلفته هذه الزوايا في مختلف العصور من مكتبات زاخرة بتراث نفيس، وناذرا ما نجد مثيله في المكتبات العالمية

ثم إن حجم هذه المكتبات وقيمة محتوياتها تختلف من زاوية إلى أخرى، وتتفاوت بين الزاوية الأم والزاوية الفرعية ولكن الشيء الملاحظ هو أن الزاوية مهما كان حجمها أو مكانتها، لا تكاد تخلو من خزانة للكتب ،وهذا وإن دل على شيء ، فإنما يدل على ارتباط الممارسة الصوفية بالعلوم الشرعية ارتباطا وثيقامن خلال هذه الأدوار جميعا لعبت الزوايا في تاريخ المجتمع المغربي أدوارا ثقافية وتأطيرية وسياسية ،اختلف عمقها باختلاف الظروف و المعطيات

وهكذا خلفت الزوايا تراثا هائلا كما أنهم ساهموا في نقل الثقافة المشرقية إلى المغرب، من خلال ما حملوه من مؤلفات أثناء رحلاتهم الصوفية، وما تعلموه من علوم بثوها في مؤلفاتهم أو درسوها لتلامذتهم ومريديهم

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن التحولات التي عاشها المغرب، مع دخول تيارات دينية مختلفة، لم تؤد إلى تراجع مكانة الزوايا بشكل كبير، إذ لا يزال حضورها قوياً، وكذلك وقوفها على مسافة من السياسة. فهي بمثابة صمام أمان لحماية الحقل الديني وضبط علاقة الدين بالسياسة والدولة بالارتكاز على العقيدة الأشعرية ومذهب الإمام مالك والتصوف السني، مما يتماشى مع تكريس الأولويات المذهبية للدولة