الفابلات أو قصص الحيوان

جريدة أرض بلادي_ الدار البيضاء_
مصطفى لغتيري_
يكاد يتفق بعض الدارسين على أن الفابلات أو قصص الحيوان جنس أدبي قائم الذات، وحتى إن كان لا يلاقي الاهتمام المطلوب إلا أن له جذورا عميقة في تاريخ الأدب الإنساني الشفاهي والمكتوب، فلقد رافق الإنسان الحيوان في رحلته الحياتية الطويلة، وتأثر بقربه سلبا وإيجابا، فهو أحيانا الصديق الوفي كما الكلب مثلا، وهو أحيانا أخرى الراحلة المعينة على السفر والضرب في الأرض بحثا عن الأرزاق كالجمل والحمار والبغل، وهو “آلة” الحرب التي تتحمل عنت الكر والفر كالخيل والفيلة، وهو الغذاء الذي يوفر مقومات الاستمرار في العيش كالدواجن والأبقار والغنم، وهو الرهبة والخوف كالأفعى، وهو القوة والهيبة كالأسد.
لكل ذلك ولغيره تسلل الحيوان إلى مقدس الإنسان ومدنسه، فنجده رمزا دينيا عند الشعوب القديمة”الطوطم” كما نلمس له حضوار قويا في الديانات التوحيدية بدلالات مختلفة ومتنوعة، كهدهد سليمان وناقة صالح وكلب أهل الكهف، ولا يعدم وجودا في الديانات غي التوحيدية كالبقرة والفئران والقردة لدى كثير من الهنود…
في الأدب حضر الحيوان على أكثر من صعيد، لكن حضوره القوي تجلى في بعض النصوص بعينها كما في “كليلة ودمنة”‘ هندي الأصل والذي ترجمه عبد الله بن المقفع إلى لغة الضاد، وهو كتاب غني بذاته ولا يحتاج إلى أي توصيف، كما برع في هذا النوع من القصص الكاتب الفرنسي جون دو لافونتين، الذي أنطق الحيوان بحكم بليغة، أصبحت من مأثورات الحكم الإنسانية. كما أبدع في هذا المجال الغواتيمالي أغوستو مونتيروسو في كتابه” النعجة السوداء.
نماذج من الفابلات:
الذئب والحمل
لافونتين
كان حمل يشرب من جدول ، فجاءه ذئب، وخاطبه غاضبا:
– كيف تجرؤ على تعكير الماء الذي أشرب منه؟
أجابه الحمل:
– كيف ذلك وأنا أشرب من مكان يبعد عنك كثيرا.
أردف الذئب قائلا :
– وهل تذكر أنك شتمتني في السنة الماضية؟
أجاب الحمل:
– لا يمكن أن يحدث ذلك، فأنا لم أولد إلا خلال هذه السنة.
فرد عليه الذئب :
-ربما قد يكون أحد أقاربك من شتمني.
فهجم على الحمل و افترسه.
الذبابة والأسد
لافونتين
رأى أسد ذبابة، فاحتقرها و طفق يسخر منها.. غاضبة هاجمته الذبابة وشرعت تلدغه في المناطق الحساسة من جسده.. عينيه ومنخريه وأذنيه.. لم تنفع الأسد أنيابه ومخالبه وقوته في الدفاع عن نفسه، فبدأ يدور حول نفسه ويضرب بذيله في وضع مضحك.. أعلنت الذبابة انتصارها وانسحبت فرحة تنتقل من مكان إلى آخر ، أعماها السرور عن أن تأخذ حذرها، فوقعت في بيت عنكبوت ولقيت حتفها.
أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
مجهول الكاتب وينسب للكثير من المؤلفين.
كان ثلاثة ثيران أبيض وأسود و أحمر يعشن في أجمة ومعهن أسد، فكان لا يقوى عليهن كلهن ، فقال للثور الأسود والثور الأحمر :إن الثور الأبيض يدل علينا في مخبئنا هذا ،فلم لا تتركان آكله فيحل علينا الأمان، فوافقاه على ذلك فأكله، ثم قال للثور الأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الثور الأسود ، فتصفو لنا الأجمة، فرد عليه: دونك فكله. حين انتهى منه التفت إلى الثور الأحمر وقال له: إني آكلك لا محالة ،حينها قال الثور الأحمر نادما: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض.