المقاهي الثقافية سليلة الصالونات الأدبية مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

تكتسي المقاهي الثقافية قيمتها عموما من البعد الحضاري الذي تتميز به، باعتبارها وريثة الصالونات الأدبية، التي عرفت عبر التاريخ باحتضانها للأدباء والمثقفين عموما، وبالنقاشات الثقافية فيما بين المثقفين، في جو يطبعه العمق الفكري والدفء الإنساني، والطرح التلقائي، الذي تمتزج فيه المتعة بالفائدة، بعيدا عن صرامة كل ما هو رسمي أو اكاديمي، وقد كانت شاهدة على ظهور مشاريع ثقافية مهمة، بل وظهور مدارس أدبية، او على الاقل تيارات ادبية معينة، تنتصر لتوجه ما في الأدب والفكر والسياسة .
وبالفعل استطاعت المقاهي الثقافية ان تقوم بدور بارز في جمع الادباء والمثقفين في اجواء دافئة وحميمية، تختلف عن قاعات المحاضرات الباردة، لتعوضها بأماكن تتميز بطابعها الحيوي المختلف، فتصبح الجلسات الشللية مصدرا من مصادر التثقيف، والتداول في قضايا ادبية هامة، والترويج لجديد الإصدارت الأدبية بطريقة مختلفة. ولعل كل ذلك يعد من الإيجابيات الكثيرة لهذه المقاهي الثقافية.
اما بخصوص الجانب السلبي، فيتمثل بالخصوص في ما يعاني منه العمل الجمعوي عموما والثقافي منه على الخصوص، إذ ان الحماس غالبا ما يكون دافعا للعمل، لكنه سرعان ما يخفت، ونجد انفسنا امام شخص او شخصين يتحملان عبء الاستمرارية في العمل، مما يؤدي إلى الإنهاك، والتخلي عن الفكرة في غالب الاحيان، بالإضافة إلى عدم احتضان هذه التجارب من قبل المؤسسات الرسمية المسؤولة على الثقافة، مما يحرمها من دعم مادي ومعنوي مستحق، كان من الممكن ان يساهم في تطورها، أو على الأقل في استمرارها للقيام بالدور المنوط بها. كما ان انفتاح بعض المقاهي الثقافية على الوسط الثقافي بأجياله المتعددة واهتماماته المتشعبة وأجناسه الأدبية غالبا ما يكون محدودا جدا، فيتكرر الاهتمام بنفس الأسماء تقريبا، بالإضافة إلى الاكتفاء ببعض الكفاءات المحلية، دون القدرة على ربط أواصر التواصل مع الكفاءات الثقافية في بعدها الوطني والعربي والإنساني.
ومن خلال تجربتي المتواضعة في هذا المجال، إذ كنت قد اسست، في العشرية الأولى من الألفية الثالثة، الصالون الادبي رفقة بعض الأدباء من الدار البيضاء، وخلال تشرفي بترأسه حاولت أن الانفتاح على جميع الطاقات الإبداعية بعدد من المدن المغربية ومن مختلف الأجيال، وبعد وقت وجيز اصبحت له فروع نشيطة في كثير من المدن المغربية، يتراسها وينشط فيها ادباء لهم مكانتهم الاعتبارية، واستطعنا خلال تلك الفترة تنظيم انشطة ثقافية مهمة توزعت على كثير من الفروع من بينها ورزازات ومراكش واصيلا وبركان، وكان المقهى هو المكان المفضل، الذي نقيم فيه انشطتنا، التي عرفت زخما كبيرا، وشارك فيها مثقفون مغاربة وعرب، وقد ساهمنا خلال تلك الفترة في تحريك المشهد الثقافية بكثير من الانشطة الفعالة، التي تنوعت في مضامينها وفي أجيال الادباء التي استضافتهم، فاصبح المقهى الثقافي محجا لجل الأدباء، حيث يتداولون في قضايا ادبية، وهم يستمتعون بارتشاف فناجين القهوة، فاستقطبنا جمهورا جديدا للأدب خاصة من رواد المقاهي، الذين نالت إعجابهم الفكرة ومنهم من انخرط فيها بكل جدية واصبح عضوا فيها.. كما اشرفنا على مسابقات ادبية تستهدف الشباب وأخرى توجهنا بها للأطفال لتشجعيهم على القراءة والكتابة في مختلف الأجناس الأدبية، بل خصصنا لهم صالونا خاصا يهتم بأنشطتهم سميناه “صالون الطفل”.