النفس التجريبي في ” أجري بين ضفتين كنهر ” للكاتب المغربي أحمد شكر

جريدة أرض بلادي_المغرب_

بقلم : ليلى التجري

اعتمد الكاتب والقاص المغربي ‘أحمد شكر’ تجربة جديدة في عالم الكتابة القصصية على غير سابقها.
فبعد تجربته القصصية’ توذة’ ينقلنا الكاتب إلى مجموعة قصصية متميزة المتن الحكائي قائمة على الثنائيات وصراع الحياة والموت من أجل إتباث الذات في علاقتها بالوجود.
اعتنق القاص ‘أحمد شكر ‘ المبدأ التجريبي وعمل جادا على التجديد في اللغة والتقنية ورؤية الذات والعالم بزوايا متباينة الدلالة والمعنى ،مفتوحة على تأويلات متعددة تستجيب للتحولات المعاصرة السريعة.
اتخذ الايحاء والرمز اللغوي منطلقا لخلق أفق انتظار لدى المتلقي بتشكيلة فلسفية مشوقة.
فعمله الابداعي زخم بعناصر الشعرية كالإضمار والحذف والفراغات،وبلغة المفارقة التي تربك المتلقي وتزيد من شعرية النص.
نستشف ذلك أكثر من خلال نصوصه القصصية المنسجمة والمتآلفة إنتاجيا وسرديا حول ثيمة موضوع تميزها .
ففي بداية نصه ‘ الحياة ‘ نجد دلالة فلسفية لمحور وجود الكائنات في إطار ثنائية تناصية الحياة والموت.
وانتقل في نصه ‘كراس’ إلى بعد تخييلي مزج فيه المتخيل بما هو واقعي كراسي ليس ككل الكراسي.
هذا البعد الموظف يجعلنا ننغمس في الوجدان وفي ذاتية المتلقي، ونجوب المكان ونحن نبحث عن كلماتنا العميقة وسط الكون المتراص وسط هفواتنا المتعددة (لا أثر اليوم لكلمات يلفظها البحر ولو كانت بنكهات متعددة أو من مسودات همنغواي ومرفيل وحنا مينة) (ص: 10).

ينقلنا الكاتب في نصه ‘ الليالي’ إلى أبجدية الكتابة لدى الكاتب من خلال إنصاته إلى الحروف الأبجدية وارتقاء لغته الموظفة بإيقاعتها ولغاتها المتنوعة لتلهم عشاقها سردا معرفيا في زمن اللانهائي..
غير بعيد الكتابة يقودنا إلى ‘مقاصل’ عنوان كتاب مؤلفة شقت طريقها بنفسها دون الاكتراث لصعوبات الطبع محاولة منها تحدي الصعوبات وتطوير الأدب والكتابة الابداعية مع الدعوة إلى التفكير في الكتابة بوصفها جنسا أدبيا قائما بذاته بعيدا عن التأويل والدلالة للمنتوج المقدم.
يخلق بنية متراصة في المتخيل السردي لدى الكاتب في نصه’ سيرة’ من خلال صراع الذات التواقة للتحصيل العلمي والتحام الأجساد بالأرواح المتباينة.
قفزة نوعية لكينونة الذات في علاقتها بالأنا والهو وذلك في نصه’اش هذا؟ ‘ ذات كائن بشري جياشة بالمشاعر والرغبات الدنيوية بعيدا عن الأحاسيس الحاضنة لكائنات أنهكها السهاد في محاولة لإرضاء الآخر.
تطلع لحياة برزخية في نصه ‘حياة كاملة’ حالمة بالملذات وتحقيق الرغبات.
يعود بنا مجددا إلى صراع الموت في نصه ‘الموت’لمجابهة كل أشكال الحياة .
في نفس الثيمة الموت وفي نصه ‘كفن الموت’ صراع الذات المتضادة لمواجهة كينونة الموت المرتقب بكل تجلياته.
العودة إلى صخب الحياة في نص ‘محارة الفقد’ يفقدنا الاحساس بذواتنا مما يجعلنا نتوه في دواسة لامتناهية بحثا عنها.
ففي نص ‘موسم الطالع’ نستشف صراع الذات الحالمة للتحرر من الوهن المتوارث لإبراز حقيقة مطلقة ..ثنائيات الروح الجسد والحياة الممات والمعلوم المجهول.
محاولة استدراج المتلقي وشد انتباهه في نص ‘رفقة ناقصة’من خلال إدراج شخصية لحسن الرجل المسن وزوجته في صراعهما مع الموت لإتباث الذات المنسية المتفردة وسط زحام الحياة.
‘هنا كان’ حاول الكاتب من خلال نصه إلى خلق فجوة حالمة ثواقة لكشف حجاب تشكل الصور الملونة بصخب الحياة وانعكاسها على الذات الانسانية.
نجد البعد التخييلي في نصه ‘حي ميت’ حاضرا مما جعله يصف لنا حياة متجاذبة الأطراف ممزوجة بموت محقق ،وإعادة ترميم الجسد المتروك بعد انهيار.
الانتقال إلى عالم اللامتناهي في نصه ‘المنسية’ الملئ بالغموض والمتوارثة خلف جدار النسيان الذي يطال بني الانسان.
صراع الذات المتشبثة بجذور الأجداد ‘نص الشجرة’والموت الذي يطالهم .
محاولةضماد جراح الفقدان لأهل البادية والحمد على الحرمان من خلال نصه ‘الرقاص’.
تجدر التاريخ وتراكم سنوات ماضية وأجساد أنهكها خذلان الخلان نستشف ذلك جليا في نص ‘ألبوم’.
يرحل بنا إلى سفر أثيري لذات منهكة بصخب الحياة ومحاولة منها لاسترجاع ماض على غير المعتاد في نص ‘رجل الغياب’.
نجد في نصه ‘حفل’ تحرر الذات من كل القيود وانبثاق أصوات وأهازيج موسيقية لمحاولة كشفها.
المتخيل السردي لدى الكاتب يجعل ليلى مدينة صباحية بنكهة طيور ببنيات متداخلة في نص ‘اسألوا ليلى’.
لحظات السعادة والتعاسة سبيل لتكسير روتين الموت، ومجابهة ذلك بالحياة كعلبة لمفاجآت سارة من خلال نص’ البين البين’.
وفي نصه ‘خصي’ نجد الكاتب يكرس لحظات نوستالجيا لذاكرة موشومة بأحلام نرجسية هائمة، مع توظيف تقنية التناص القرآني “وما قتلوه ولكن خيل لهم”(ص:104).
يمكن القول عموما بأن القاص المغربي أحمد شكر أكسب مجموعته القصصية ثوبا أنيقا متجددا في مضامينه من حيث الشكل والموضوع،قائم على مبدأ الثنائيات ثنائية الحياة الموت،
كوحدة فنية متآلفة ومنسجمة
دلاليا وموضوعيا.
هو نهر حكي موضوع بين يدي المتلقي بلغة راقية على غير اعتيادها .
“أجري بين ضفتين كنهر”