بين الطفولة والمنفى…قراءة في مجموعة سماء من خشب للشاعر زين العزيز 

جريدة أرض بلادي_رسمية محيبس_

شاب من الشطرة حمل حقيبته وغادر وكمعظم المهاجرين تعرض الشاعر لأهوال السفر.

لم يكن يتوقع ان يكون الطريق متعبا هكذا لم يلتفت نحو مدينته التي غادرها كي لا تداهمه رغبة العودة مع انه يحملها معه كما يحمل جسد شقيقته الصغيرة قطر الندى التي غادرت هذا العالم وبقيت في روح الشاعر يخرجها كلما اراد والتي اهدى مجموعته اليها

انا بائس كما تعلم يا الله

افتح يدي للريح

ولا ارى احدا يحضن قلبي

هذا ما جاء في نص 1985 من مجموعة الشاعر وهي مجموعة اصدرها في الغربة تتجلى فيها معاناته اثناء السفر والبحث عن وطن بديل عن تلك القرية التي غادرها والتي هي اكثر بوسا في العالم فهل هو مبرر للرحيل ام استعادة ماض مؤلم بكل ما فيه ‘ ماض يطل براسه هنا وهناك في جميع صفحات المجموعة وتتمثل اهوال تلك الرحلة في نص كمن يفتح الابواب ويظل واقفا

ان تخاف من الطريق

فان لك لغة لا تضر ولا تنفع

يصور لنا زين ما لاقاه في سفره هذا من مصاعب ومتاعب ان يحمل اسما لشخص ربما يكون ميتا وان يحمله كرصاصة تهديد

يغلب التمرد على روح الشاعر وعلى صفحات كتابه والشعر تمرد ان لم يكن في الشكل ففي المضمون ، وتمرد زين العزيز ليس ترفا ابداعيا وانما موقفا والهرب من ماض يطارده بذكرياته المرة فالشعر اغتراب ولوعة وسلوك مختلف والشاعر شخص غير سوي يحاول اكتشاف العالم والعبث به واعادة بناءه

يقول الروائي الفرنسي غيوم ميسو

( الكتابة ليست مهمة العقلاء انها مهمة المصابين بالفصام الكتابة نشاط يتطلب فصاما عقليا مدمرا لكي تكتب عليك ان تكون في العالم وخارجه)

مع كل هدوء زين العزيز لكنه مشغول بعالمه الشعري الئ حد بعيد

( هذا الصبي الذي يحفر في تلة الرمل / عله يلمس يدا ناعمة تبحث هي ايضا عنه) فهل يمكن للشاعر اعادة بناء العالم مع ان ريلكه يقول :

هذا العالَم نشيّدهُ،

فينهارُ،

ثم نشيّدهُ ثانيةً،

فننهارُ نحنُ

ياخذنا زين العزيز معه في رحلته نحو المنفى والمنفى كلمة فيها الكثير من التجني على الوطن الذي يختاره الشاعر بدراية تامة لكن المنفى لدى زين صديق يقدم له قهوة مرة .

مجموعة زين العزيز الجديدة والتي اهداها لشقيقته الصغيرة الراحلة بداها بالفعل( كنا )

كنا ثلاثة اخوة ليعود بنا لماض لا يستطيع الخلاص منه رغم المسافات يفرض وجوده عبر نصوص المجموعة حتى تلك التي ولدت في الغربة فالحب عنده ذهاب بلا اياب ورحلة بلا تلفت فهل افلح في ان لا يلتفت وهو يستعيد الماضي بكل لوعته يقول الشريف الرضي

وتلفتت عيني فمذ خفيت

عني الطلول تلفت القلب

شاعرنا هنا يحمله معه كيف لا وهو ما زال يستمع الى حشرجة الموت في صدر شقيقته الصغيرة

فقلدت ذلك الصوت بالكتابة وكأن في صدري زوبعة

تحرك اوراقا يابسة

قالوا باني شاعر

دون ان تسمعي حشرجة القصائد في حنجرتي.

نص صوت احتكاك الصخور الى قطر الندى ص 24

في نص بالونات ملونة عودة اخرى للطفولة يبداها بكلمة لو

لو اشترينا بدنانير الطفولة

ضحكة عتيقة من بائع البالونات الملونة

قبل ان تحوله الحرب الى حفار قبور

اذن الطفولة مرحلة مهمة في حياة زين العزيز تمطره بوجوه احبة غادروا وآخرين حولتهم الحرب الى حفاري قبور بدل بيع البالونات الملونة والضحكات البريئة هذا الماضي المثقل بالذكريات الحلوة والمرة يخطط الشاعر نصه بروح ما زالت هناك في اغوار الطفولة التي تكاد تلاحقه من نص الى آخر يقول في ساعاتنا الورقية ص 77

كنا نصنع الساعات من الورق المقوىونلونها بطين الحدائق

يقودنا الشاعر الى ساعات الطفولة وليلة العيد وما فيها من فرح وترقب لذيذ

وفي نص نستبدل السكر بالملح يقول:

كنا صغارا

نحب ليالي الحرب لانها تشبه ليالي العيد

الطفولة هاجس يهيمن على صفحات المجموعة رغم ما فيها من نصوص للحب ومساراته وما فيه من جنون ولذة وشغف

لم يمت ذلك القلب الذي يخبئ راسه كنعامة

بين نهدي عاشقة.

ويقول في نص آخر تفوح منه رائحة العشق واحلام الشباب

ضعي جسدي تحت ثوب البسك اياه حر تموز

ثوب مبلل بالعرق ورائحة النباتات

لأعلمك رقصة الماء بلا قدمين

تستمر صياغات الولد الذي لا يملك سوىقدم واحدة في الشعر

قدم كساق الخيزران اقفز بها واركل العمر

ويعترف بان عكازة لا تكفي لمطاردة هر في الصحراء.

لكن خلف هذا الاعتراف تكمن رغبة قوية في تكوين تجربة شعرية سيكون لها شأن في المستقبل القريب

سماء من خشب

مجموعة شعرية للشاعر زين العزيز

صدر عن دار تأويل للنشر والترجمة في السويد.