تبسيط المساطر الإدارية وآفاق الثقة

جريدة أرض بلادي_ سطات_

ابراهيم مجد_

لقد حرص صاحب الجلالة على بعث إشارات واضحة من أجل الارتقاء بعمل الإدارة وقد بلغت توجيهات جلالته ذروتها في السنوات الأخيرة، خاصة في خطب العرش؛ قال جلالة الملك في خطاب عيد العرش لسنة 2019 : ” فالقطاع العام يحتاج دون تأخير إلى ثورة حقيقية ثلاثية الأبعاد، ثورة في التبسيط وثورة في النجاعة وثورة في التخليق ”

وقد التقطت الحكومة هذه الإشارات ودأبت على تضمينها للتصريح الحكومي تحت مسمى إصلاح الإدارة، وفي هذا السياق كان صدور الظهير الشريف رقم 1.20.06 بتاريخ 6 مارس 2020 بتنفيذ القانون رقم 99.15 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، والذي يشكل بحق ثورة حقيقية في اتجاه ترسيخ مناخ الثقة والنجاعة واقتصاد الزمن الإداري، ذلك أن المشرع أثناء صياغة هذا النص القانوني قد أخذ مسافة تبعد عن نمط التشريع الفرنسي القائم على مبدأ منح الامتياز الاعتباري للإدارة، وتقترب من نمط التشريع الأنجلوساكسوني الذي يعطي الامتياز للمرتفق في مقابل الإدارة، فجاء القانون 99.15 بنكهة مغربية تضع الإدارة متساوية مع المرتفق في الحقوق والواجبات.

وقد تضمن القانون 99.15 إحدى عشر بابا، وقام بتقديم حدود وتعاريف كل من المرتفق والمرفق الإداري والقرار الإداري، ووقوفا عند مصطلح القرار الإداري فقد قدم تعريفا فيه كثير من المرونة بعيدا عن التعريفات الفقهية والقانونية الاكاديمية، حيث حدد القرار الإداري بكونه كل محرر تمنحه الإدارة للمرتفق بناء على طلبه طبقا للنصوص التشريعية والقانونية، ويقصد بالإدارة الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها والمؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري آخر خاضع للقانون العام والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام أما المرتفق فهو كل شخص ذاتي أو اعتباري يتقدم بطلب الحصول على قرار إداري.

وقد عرج هذا القانون على وضع قوانين رادعة للإدارة تتمثل في

• عدم مطالبة المرتفق بأكثر من نسخة واحدة من ملف الطلب المتعلق بالقرار الإداري ومن الوثائق والمستندات المكونة للملف.

• عدم مطالبة المرتفق بتصحيح الإمضاء على الوثائق والمستندات المكونة لملف الطلب.

• عدم مطالبة المرتفق بالإدلاء بوثائق أو مستندات إدارية متاحة للعموم ولا تعنيه بصفة شخصية.

• عدم مطالبة المرتفق بالإدلاء بنسخ مطابقة لأصول الوثائق والمستندات المكونة لملف الطلب.

مع ترك هامش للإدارة في حالة الشك وتحديده زمنيا ومسطريا.

بالإضافة إلى حصر مطالبة الإدارة للمرتفق بالإدلاء فقط بالوثائق والمستندات التي تنص عليها القوانين والتشريعات الجاري بها العمل، مما حدا بوزارة الداخلية إلى حذف اثنين وعشرين شهادة ليس لها سند وعوضتها بالتصريح بالشرف في إطار تنزيل قانون تبسيط المساطر الإدارية، كما عملت على تحيين لوائح الشواهد الإدارية التي تختص بها السلطة والشواهد التي من اختصاص رؤساء الجماعات.

وبالنظر إلى ما رافق تنزيل هذا القانون وحديث البعض عن حذف تصحيح الامضاء ومطابقة النسخ لأصولها وجب التفريق بين إنتاج الخدمة ومطالبة الإدارة لهذا الفعل، فما حذف هو مطالبة الإدارة للمرتفق بهذا الفعل أما إنتاج الخدمة فمستمر في الزمان لوجود مؤسسات غير معنية بهذا القانون ولا تدخل ضمن مجال تطبيقه كالقطاع الخاص وتعاملات المرتفقين فيما بينهم ما يجعل الإدارة ملزمة بتأمين استمرار إنتاج خدمة تصحيح الإمضاء ومطابقة النسخ.

ولمزيد من منسوب الثقة بين الإدارة والمرتفق فقد حدد القانون 99.15 آجال جواب الإدارة على طلبات المرتفقين في ستين يوما للاشخاص العاديين و ثلاثين يوما للمستثمرين في إشارة أخرى إلى تشجيع الاستثمار وإنتاج الثروة والحد من هدر الزمن الاقتصادي، واعتبر سكوت الإدارة بمثابة موافقة، كما حاول توحيد المساطر وتعميمها على جميع الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية من خلال جرد وتصنيف وتوثيق وتدوين الوثائق ونشرها بالبوابة الالكترونية “إدارتي” وهي منصة مفتوحة أمام المواطن والمرتفق للاطلاع على الإجراء أو المسطرة المرغوبة للاطلاع المسبق على الوثائق والمستندات المطلوبة منه مع تحديد الأجل القانوني وتعريفة الخدمة.

ومن خلال الاطلاع على منصة إدارتي فقد لوحظ انخراط مشجع لقطاعين حكوميين هما الداخلية والمالية، مع بعض التعثر لباقي القطاعات، وقد وصلت عدد المصنفات المنشورة لغاية كتابة هذا المقال أكثر من تسعمائة قرار وإجراء مصادق عليها من طرف اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر، وهو رقم مشجع في إطار إكمال كل الإجراءات، ومن المنتظر أن تنتقل المنصة من التوثيق والنشر إلى التفاعل حيث يصبح بإمكان المرتفق طلب المسطرة والاجراء انطلاقا من المنصة في أفق رقمنة الإدارة وحوسبتها وهو على ما يبدو الغاية الأكبر التي يتوخاها المشرع من هذا القانون، ما يجعل الإدارة أمام تحدي عصرنة الوسائل اللوجيستيكية وتنمية قدرات مواردها البشرية وتحديث أشكال التواصل والاتصال في أفق الاستغناء عن الورقي.

وفي انتظار صدور باقي النصوص التطبيقة المرتبطة بهذا القانون الذي سيرقى بالمعاملة بين الإدارة والمرتفق ويجعلها مبنية على الشفافية والنزاهة والثقة والحكامة وعلى الأبعاد الثلاثة التي أشار إليها عاهل البلاد وهي؛ التبسيط والنجاعة والتخليق.