جنات عاشقة الكتب.. قصة للأطفال مصطفى لغتيري.

جريدة أرض بلادي_ليلى التجري_

في أطراف المدينة، دوما يكون فصل الربيع مختلفا، عما عليه الحال داخل المدينة، حيث لا يكاد يشعر بوجوده أحد. هناك في الضواحي تعلن الطبيعة عن نفسها بشكل جميل. أزهار هنا ونباتات هناك.. فراشات مزركشة تحلق في الأجواء، يداعبها نسيم خفيف، يتلاعب بأجنحتها الهشة، فتبدو وكانها تائهة عن وجهتها الحقيقية.
بلطف تلثم تلكم الفراشات بتلات الزهور مختلفة الألوان والأشكال، على مهل تمتص رحيقها ثم ترحل عنها متجهة نحو غيرها.. هكذا تقضي يومها متنقلة هنا وهناك، منتشية تتهادي بالقرب من بحيرة، شكلتها أمطار فصل الشتاء الغزيرة، التي أضيفت إلى ماء نبع يتدفق في المكان تدفقا ثرا، فأضحى بركة ما فتئتت تتمدد بمرور الزمان، لتصبح بحيرة، أضحت مزارا مفضلا لأنواع من الطيور والكائنات الحية المتنوعة، وعلى جناباتها نمت نباتات شديدة الخضرة، شكلت دغلا يأوي إليه هوام البحيرة ليلا.
على مشارف البحيرة كانت جنات، تلك الطفلة الخجولة تجلس على كرسي خشبي طويل، وهي تقرأ قصة عجيبة، عن الفتى “نرسيس” الذي عشق صورته، حين رآها على صفحة البحيرة الصقيلة، فتسببت له في مأساة.
في مكانها ذاك الذي اخترته بعناية، كانت جنات تتصفح القصة وهي تبتسم حينا وتحزن أحيانا، حتى أنها سكبت بعض الدمع تعاطفا مع الفتى نرسيس الذي غرق في مياه البحيرة.
في تلك الأثناء وهي تغوص في أحداث القصة، متوقفة عند تفاصيلها بكثير من الاهتمام، سمعت لحنا خافتا، يأتي لحنه من مكان ما من البحيرة، يتسلل إلى سمعها بلطف، ثم ما لبث أن اكتسح الأجواء من حولها.. مرتبكة رفعت جنات رأسها، فرأت أمرا عجبا، لا يكاد يصدقه الرائي، في عمق المياه أبصرت فتاة تتوسط البحيرة، يظهر نصفها العلوي، مثل اميرة أخطأت الطريق نحو المكان. ومع ذلك بدت متالقة وكأنها زهرة تتبرعم على شكل نبات مائي.
منبهرة وضعت جنات الكتاب جانبا، ثم توجهت بكلامها نحو فتاة البحيرة، وسألتها:
– مرحبا بك.
أجابت فتاة البحيرة بصوت يشبه الغناء:
– مرحبا بك يا عاشقة الكتب.
مستغربة سألت جنات فتاة البحيرة.
– ألا تخشين الغرق؟
-ابتسمت فتاة البحيرة وردت عليها:
– لا أبدا .. فأنا والبحيرة شقيقتان.
تملك جنات استغراب متزايد ثم قالت:
– عجبا، ولكن ما اسمك؟ وما حكايتك؟
ازاددت ابتسامة فتاة البحيرة اتساعا، ثم قالت:
– اسمي “نسرين”. لكن حكايتي تعرفينها. ألم تقرئي قصتي، وأنت عاشقة الكتب؟
أصاب كلام فتاة البحيرة الطفلة جنات بالحيرة، فقالت لها:
– بالفعل أنا أعشق الكتب، وقرأت كثيرا من القصص، لكنني حقيقة أجهل قصتك؟ واعتذر عن جهلي، فهلا حكيت لي قصتك.
ابتسمت نسرين ثم سألت الفتاة جنات:
– ألم تقرئي قصة نرسيس؟
استغربت جنات، وردت عليها:
-عجبا.. إنني أقرأها الآن.
غنت نسرين فتاة البحيرة أغنية جميلة وهي تحرك يديها على إيقاع الأغنية ثم قالت:
– أنا إحدى الحوريات، اللواتي أحببن نرسيس وتألمن لموته ألما عظيما.
استغربت جنات استغرابا كبيرا، ثم قالت:
– نعم قرأت ذلك في القصة، ولكن أنت تغنين ولا تبكين.
ردت نسرين عليها:
-لقد بكيت وصويحباتي الحوريات طويلا، حتى أصبنا العمى من كثرة البكاء، ولكن بعد حين تحولنا إلى الغناء، لأن نرسيس زارنا في الحلم وطلب منا ذلك، حتى يرتاح في العالم الآخر. فبكاؤنا كان يوجعه، كل دمعة نسكبها حزنا عليه، تزيده وجعا.
بدا بعض الاقتناع على جنات، وشعرت أنها فهمت قصة الفتاة الغريبة، التي تسمى نسرين.
في تلك الأثناء تحديدا التفتت لتحمل كتابها حتى تتاكد من تفاصيل القصة.. أخذته بين يديها، وحين عادت ببصرها نحو البحيرة، لتطرح على نسرين مزيدا من الأسئلة، كانت فتاة البحيرة نسرين قد اختفت عن الأنظار.
لحظتها أحست جنات بأنها تستيقظ من نوم عميق، شعرت وكأنها رأت حلما غريبا وعجيبا صعب التصديق.
فكرت أن تحكي ما رأته في البحيرة من أمور غريبة لأمها وصديقاتها، لكنها خافت أن لا يصدقها أحد،، فقررت أن تحتفظ بسر البحيرة والحورية نسرين لنفسها.
بعد تفكير طويل خطرت لجنات فكرة شيقة. لقد قررت أن تضع سرها في كراسة. تناولت القلم وبدأت في سرد قصتها الأولى على الورق، قصة نسرين فتاة البحيرة ولقائهما الغريب، الذي يبدو صعب التصديق.