حالة شرود…الوجه و القناع

جريدة أرض بلادي_أبو فراس جابر الصنهاجي_

لصاحبنا سبعة أوجه !
كان الله في عونه … و عوننا أيضا .
سبعة وجوه عنده، وجه ينطح الآخر… على غرار قول اخوتنا في مصر ” جنيه ينطح جنيه.”
وبين كل وجه و وجه مساحات و فضاء فيه ما فيه من العلل و السخافات التي تطبع شخصيته كما الذين طبع على قلوبهم والعياذ بالله .
طابع التملق, طابع الكذب الابيض , و طابع المتعالم, و طابع “مقزدر” وطابع الطمع، و طابع التمسكن ، … اما القناع السابع هو بمثابة “جوكير” “سطاندار” قابل لجميع الاستعمالات والظروف.
إذن قد جعل لكل قناع طابع، و لكل قناع لون خاص وخطاب خاص وضحكات خاصة، ولكل ضحكة لون كذلك، أهمها الضحكة الصفراء حفظكم الله.
المثل يقول : وجهان لعملة واحدة، لكن صاحبنا هذا، له سبعة أوجه لشخصية واحدة، و لكل وجه قبلة هو موليها…

لعل صاحبنا امتلك هذه الأقنعة بناء على أهمية العدد سبعة في الأثر و تيمنا به. لقد ورد ذكره في الكتاب المبين عدة مرات سبع سماوات وسبع بقرات سمان، وسبعة عدد اصحاب الكهف، و زرع سبع سنين دأبا. و “سبع شدادا ” و سبعة أبواب جهنم . وجاء في الحديث ذكر العدد سبعة أيضا، صاحبنا محظوظ، أو ذكي فيه مسحة من البلادة علامة على خبثه لا يكتشفها إلا من انار الله بصيرته ، وجعل الله له نورا يمشي به بين الناس…

كم عجيب امر اصحاب الوجوه السبعة ! كعجائب الدنيا السبع .
… الوجوه السبعة تتحرك في كل اتجاه…على قاعدة لكل عيشة لبوسها.

هو هنا ليس هو… هناك.
يتقمص شخصيات متعددة و يلعب أدوارا لا قبل لنا بها نحن الطيبين، يتلون حسب الظروف و الأهواء بعد رسم الهدف المبتغى الوصول إليه…
عفريت ناعم يغير شكله كما يغير الثعبان جلده، او حرباء و ديعة تغير لونها بلون الشجرة التي تتحرك على ظهرها لتمويه الحشرات قبل تسليط طويل لسانها على الهدف !

حتى نكون منصفين نقول هو و هي مساواة في الخطاب كما يطلبن بالمساواة في “الوزيعة”
رغم انهما ” لا يستويان مثلا ”
و ” ليس الذكر كالأنثى ” كأنها ذكر في هيأة أنثى و تحارب الذكورية حتى صارت تحلم انها ذكرا، بل فوق ذلك قليلا و تحب ان تعامل كما الذكور. مركب نقص ناتج عن هزائم وعقد نفسية و احباطات ليس لنا فيها ناقة ولا جمل!
لكن الحديث يقول : ” إن لم تستحي فاصنع ما شئت .” وقال “الحياء شعبة من الإيمان.”

قد تهاجم سي المذكوري، حتى قبيلة المذاكرة، لحساسية اللفظ الذي أصبح يشكل لديها عقدة كتلك التي تصدت لمنشار تقليدي.
تسريحة شعر و أحمر شفاه مع بودرة مكياج تضيف بعضا من المحسنات على تجاعيد السنين و اثر الشمس و النتوءات الزمنية التي تشكلت في وجه اختزن بضاعة تقادمت و تجاوزها الزمن بقطاره، فاختبأ وراء تلك الأقنعة مكرها، تتعهده كلما نظرت الى مرآة الحمام، تحدث نفسها راجية ان يطول هذا الحلم الذي تعيشه وهي على استعداد لبذل ما تبقى من غال ليتوارى الماضي الى غير رجعة…

يا لرغبتها في الإمساك بالزمن الهارب من قميصه، كالتي قدت قميصه من دبر … و يشهد عليها شاهد من أهلها لتوضيح الحقيقة و يثبت أن الشاب الجميل يوسف الصديق كان هاربا منها ولم يكن مقبلا عليها… ومع ذلك سجنوه رغم ثبوت براءته. نعم ” إن كيدهن عظيم ”

من اجل ذلك، لا بأس أن نؤنث الخطاب قليلا لتأخذ نون النسوة حقها في الوجوه السبعة و لنحقق المناصفة الأدبية حتى لا يبقى الذكر وحده في مواجهة الشرود و الذئب الذي يأكل من الغنم الشاردة !
عفوا لست شاردة من غنم، و إنما فكري الذي شرد فأنا في لحظة شرود و لا ادري ما يخطه القلم حتى أصحو عند آخر كلمة أخطها. قد فعلها سقراط قبلي لمئات السنين. وعندما انتبه من شروده وجد نفسه محكوما بالاعدام بجرعة سم قاتلة محاطا بجماهيركان يكتب من اجلها شروده !

يكون هنا مخمليا و هناك حجريا أو خشبيا حتى النخاع.
لغة الخشب يتقنها مع طحن الحجر في رحى رخامية !
و ما قيمة حجر امام الرخام ؟ و لماذا نطحن الرخيص بالغالي !

أحد الظرفاء قال لي ناصحا في يوم عبوس إن هذا الزمان لا يرحم صاحب الوجه الوحيد ” كي تعيش فوق السلك يجب عليك أن تتصنع عدة وجوه ، وإلا سوف يطحنوك و ترمى دقيقا في يوم عاصف فيتفرق دقيقك بين الماعز والحلزون !! فقلت له مذكرا إن الله لعن ذو الوجهين، ورسولنا القدوة الحسنة كان له وجه واحد وقلب واحد وكان صادقا أمرنا مع جميع خلق الله حتى الحيوان والجماد فقد خاطب جبل أحد عندما تحرك فاطمأن إليه و سكن و مسح على جذع النخل حين بكى فهدأ….

كما قلت له أيضا إن قولك هذا ذكرني ببعض اشعار زهير بن ابي سلمى و كأنه حاضر في زماننا حيث يقول في بيتين من قصيدة طويلة :
ومن لم يصانع في أمور كثيرة # يضرس بأنياب و يوطأ بمنسم.
ومن يجعل المعروف من دون عرضه # يفره ومن لا يتق الشتم يشتم.

عندي واحد ليس إلا ! إن ووجهي يشبهني كما أنشدنا الشاعر الأسطورة محمود درويش في احدى قصائده : وجهي يشبهني….
قبح الله تلك الوجوه السبعة. نقطة انطلاقه مضيئة و خطه لا يقبل الانكسار أبدا .

لا ننسى المعلقات السبعة يا هذا. تلك التي قال الرواة إنها كتبت بماء الذهب و علقت على أستار الكعبة بمكة.

لطيفة أدبية تأتي أحيانا كملح الطعام على مائدة عرجاء تملك رجلين … و الثالثة تكسرت بفعل التآكل فتم تعويضها بحجيرات بعضها فوق بعض… يجلس حولها بعض بؤساء قرية الصيادين بعد يوم من مبارزة أمواج البحر على ظهر قوارب الواجهات تآكلت بفعل الرطوبة… و نسيم البحر المشبع بالملح وضربات أشعة شمس خجولة احتجبت وراء سحابة رمادية.