حوار مع مصطفى لغتيري حول الرواية المغربية

جريدة أرض بلادي-ليلى التجري-

رغم مرور أزيد من ثلاثة عشر عاما على هذا الحوار، الذي أجراه الشاعر والروائي عبد الرحيم الخصار مع الكاتب الروائي مصطفى لغتيري، ارتأينا إعادة نشره نظرا لأهميته ولراهنية القضايا التي يطرحها في ما يتعلق بالجنس الروائي في المغرب.


وتجدر الإشارة أن مصطفى لغتيري أصدر لحد الآن 18 نصا روائيا تتميز بتنوعها على مستوى الشكل والمضمون، ومن تم تظهر أهمية وجهة نظره في الفن الروائي المغربي.

أجرى الحوار عبدالرحيم الخصار

– كيف تنظر إلى الرواية المغربية اليوم؟

لا جدال في أن الرواية المغربية حديثة عهد بالمقارنة مع الرواية العالمية عموما و العربية خصوصا، ومن تمة يتعين علينا لنا التعامل معها بنوع من الحدب و كثير من التفهم، إذ لا يمكننا أن نحاسبها بصرامة، فالنصوص الروائية المغربية الأولى لم تر النور إلى خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، والفترة التي قطعها منجزها النصي قصيرة نسبيا، فإن كانت رواية “الزاوية” للتهامي الوزاني التي يعدها كثير من النقاد باكورة الرواية المغربية رأت النور سنة1942، فإن البداية الحقيقة للرواية المغربية دشنت في الخمسينيات و تعززت بعد الاستقلال،فظهرت نصوص جديدة، تتمتع بغير قليل من النضج ، وقد حاولت استتثمار البعد التاريخي المتمثل في معضلة الاستعمار و ما عانه من جرائه الإنسان المغربي ، في رحلة تشكل الوعي الوطني و المطالبة بالاستقلال ،ترسخ هذا التوجه مع عبد الكريم غلاب و مبارك ربيع وغيرهما، تلت ذلك مرحلة السبعينيات المتميزة بطغيان الهم الاجتماعي و السياسي مع نصوص الزفزاف و شكري على الخصوص، ومع بداية الثمانينيات برزت موجة روائية جديدة اتخذت لنفسها التجريب منهجا في الكتابة، فأنتجت نصوصا، كان من العسير التواصل معها بالنسبة للقارئ العادي و المتوسط، ونذكر في هذا الصدد كلا من روايات أحمد المديني ومحمد عزالدين التازي، وفي الآونة الأخيرة برزت في المشهد الروائي المغربي أسماء جديدة تحاول أن أن تستفيد من التراكم المحقق على مستوى المنجز الروائي المغربي، علاوة على اطلاعها بعمق على التجربة المشرقية و العالمية، ويمكن تصنيف أغلب هؤلاء الكتاب إلى نوعين، أولهما قادم إلى الرواية من أجناس أدبية أخرى كالشعر و القصة القصيرة وثانيها افتتح مساره الأدبي بالكتابة الروائية، هذا بالإضافة إلى الأقلام التي تنتمي للأجيال السابقة، و التي لا زالت تطالعنا بين الفينة و الأخرى بنصوص جديدة .. أمام هذا العدد من الكتاب تحقق للنص الروائي زخما غير مسبوق كما و كيفا، لا بد أن النقد المغربي سيظهر – بعد حين- الإضافات النوعية التي تحققت بفضل هذا الزخم الروائي.

هل هناك فعلا تراكم كمي يستطيع أن يشكل إضافة نوعي?

lمن خلال متابعتي لما يصدر من روايات في المدة الأخيرة، يمكنني أن أقول بكثير من الثقة أن الرواية المغربية قادمة بقوة، إذ لا يمكن لأي متتبع أن يتجاهل الكم المرضي نسبيا الذي صدرت به هذه الروايات، و هو في تزايد مضطرد مع توالي السنين، ثم إن الكيف كذلك ملفت للنظر ، فلقد حققت الرواية المغربية الحديثة ما عجزت عن تحقيقه النصوص السابقة، وفي رأيي المتواضع تأتى لها ذلك بفضل تصالحها مع المعطى الحكائي، ففي فترة من الفترات طغت الراوية التجريبية بتأثير من الرواية الفرنسية الجديدة ، التي رغم احتفاء النقاد بها، فإن القارئ المغربي العادي لم يستسغها، بل و حتى القارئ العربي كذلك لم يستطع التواصل معها، بيد أن الأمور اختلفت تدريجيا، لذا أظن أن روايات أحمد التوفيق و سالم حميش و محمد صوف و محم أنقار ومحمد غرناط وغيرهم لن تترك المتلقي في حياده تجاه الرواية المغربية، أضف إلى ذلك الموجة الجديدة من كتاب الرواية المغربية ، و أذكر هنا على سبيل التمثيل لا الحصر كل من الزهرة الرميج و أحمد الكبيري و أسمهان الزعيم و وفاء مليح و أحمد الويزي و نورالدين محقق و سعيد بو كرامي وعبدالعزيز الراشدي و عبدالرحيم حبيبي و المصطفى غزلاني و محمد مسلك
وغيرهم. إن نصوص هؤلاء الكتاب تحقق المتعة المتوخاة من النص الروائي، بالإضافة إلى قدرتها على بناء عالم روائي قائم الذات، متوفر على كل خصائص البناء الروائي .. كل ذلك جاء بلغة سلسة و وظيفية وممتعة لا تحتفي باللغة في حد ذاتها و إنما تراعي كونها وسيلة ضمن وسائل أخرى في العمل الروائي.. والحقيقة إنني استمتع كثيرا بقراءتي للنصوص الرواية المغربية الجديدة وأتوقع أن تلفت لها الأنظار مستقبلا

ما موقع الرواية المغربية اليوم وسط المنجز السردي العربي؟

لقد عانى المغرب طويلا في علاقاته الأدبية مع المشرق، فالمغاربة يحبون المشارقة إلى درجة لا يصدقوها هم أنفسهم ، إذ لا تكاد تجد كاتبا مشرقيا- مهما كانت قيمته الإبداعية- مجهولا عندنا ، نحن نقرأهم بغزارة ونكتب عنهم نقديا بشكل لا يكاد يصدق ، فيما هم يتجاهلوننا كليا، بالطبع نحن لا نتطلع إلى المحاباة، لكن بالفعل لدينا نصوص تتفوق على كثير من النصوص المشرقية، لكن – للأسف-لا يتم الالتفات إليها بناء على أحكام مسبقة وجاهزة، نحن لا ننكر ريادة المشارقة في المجال الروائي و الأدبي بصفة عامة، لكن مياها كثيرة جرت من تحت الجسر ، و أظن أن على نقادنا أن يلتفتوا إلى هذه المعطيات الجديدة، فليس كل ما هو مشرقي جيد ، و لهذا عليهم أن يولوا وجوههم قبل الرواية المغربية، وهنا بالتحديد أتوجه بكلامي إلى أساتذة الجامعة لأطلب منهم توجيه طلبتهم إلى الاهتمام بالنصوص الروائية المغربية ، ففي مثل هذا التوجه سيقدمون – بدون شك-خدمة جليلة للأدب المغربي، خاصة و أن هنا ك نصوصا تستحق ذلك، و تعبر بعمق عن انشعالات و هموم وتطلعات الإنسان الغربي ، وفي هذا الصدد يطيب أن أتوجه بالشكر إلى كلية ابن زهر بأكادير التي افتتحت ورشا للاشتغال على الرواية المغربية تترأسه الأستاذة بديعة الطاهري.

ولنعود إلى علاقتنا بالمشرق، أظن أن الوضع يتحلحل ، فلا شيء يظل على حاله، ومن ثمة أسجل اهتماما أكثر لدى المشارقة بالرواية المغربية ، و إن كان غير كاف بالتأكيد.. أتذكر هنا فوز رواية” العلامة” لسالم حميش بجائزة نجيب محفوظ للرواية ، وترشيح روايتي “رجال و كلاب” و رواية وفاء مليح “عندما يبكي الرجال”لجائزة البوكر العربية في السنة الماضية ، و نجاح روايتين مغربيتين هذه السنة في التأهل للأدوار النهائية من أجل الحصول على الجائزة ، و هما رواية “هذا الأندلسي ” لسالم حميش و رواية ” كتيبة الخراب” لعبد الكريم الجويطي. إذن الأمور تتطور.

ألا يزال النقد العربي ظالما للرواية المغربية؟

دعنا نكن متفائلين و نقول بأن هناك بصيصا من أمل ، فإلى وقت قريب ، كانت المقولة التي تحكم علاقتنا بالمشرق ” المشارقة يكتبون و المغاربة يقرؤون ” لكنني ألا حظ أن الجهود الفردية التي يبذلها المبدع المغربي في الترويج للإبداع المغربي بدأت تؤتي أكلها ، وأخذنا نلاحظ اهتماما محتشما بالنص المغربي ، و قد تجلى آخرهذا الاهتمام في الكتاب الذي أصدره الناقد المصري الدكتور شكري عزيز الماضي

” أنماط الرواية العربية الجديدة ” الذي ضمنه قراءة نقدية لرواية مغربية “وردة للوقت المغربي” للكاتب أحمد المديني.. و مع ذلك لا زالت نظرة المشارقة غير جادة تجاه الإبداع المغربي عامة و الرواية خاصة ،و أعتقد بهذا الخصوص أن اهتمام نقادنا المغاربة بالرواية المغربية سيجعل لا محالة المشارقة يهتمون بها ، خاصة و أن لنا نقادا متميزين،يتتبع المشارقة كتاباتهم بشغف،من أمثال محمد براد و سعيد يقطين وغيرهما ، دون أن ننسى النقاد الجدد الذين يكسرون بثبات الحصار المضروب على النص الروائي المغربي الجديد من أمثال محمد معتصم و حسن المودن ومور الدين صدوق و عبد الرحمان التمارة و سعيد بوعيطة و سعاد مسكين وبديعة الطاهري و غيرهم

وإذا كان هناك خلل ما ، فأين يوجد؟ هل في هذا النقد أم في الرواية المغربية نفسها؟

النقد بطبعته يميل إلى عدم الاستعجال و يراهن على التراكم ، لذا دعنا نطل عليه من منظار التفاؤل و نقول بأن النقد المغربي محكوم عليه بأن يهتم بالنص الروائي المغربي بالدرجة الأولى ، سيحدث ذلك عاجلا أوآجلا ، فمن الغرابة أن نجد ناقدا يكتب عن رواية في قطر مثلا أو البحرين و لا تثيره رواية في المغرب، مع أن هذه الأخيرة توفر له نوعا من التعاطي النقدي أظنه سيكون أفضل ، فعلى الأقل يعرف الناقد بالتدقيق خلفية الرواية المغربية الاجتماعية و التراكم الذي نبعت منه ، ثم أنه- بالإضافة إلى ذلك- يقدم خدمة للأدب المغربي، الذي- شاء ذلك أم أبى- ينتمي إليه أكثر من انتمائه إلى غيره ، أما إن كانت ضالته هي الجودة كما يدعي البعض، فبالأحرى كان عليه- لنقتنع بدعواه- أن يكتب عن روايات أمريكا اللاتينية أو الرواية اليبانية مثلا.. لكل ذلك و لغيره أرى أن النقاد المغاربة سيهتمون- في المستقبل- أكثر بالرواية المغربية ، وهذا بالفعل ما تقوم به بعض الأقلام الجادة و الواعدة ، و لا أظن أن العيب في الرواية المغربية ، فالنصوص المتوفرة متنوعة في تيماتها و أساليبها و رؤاها ، حتى أنها لا تتشابه ، وهي- بالتالي- مادة خصبة تغري بالتعاطي معها نقديا .