خطاب العرش : فصل الخطاب 

جريدة ارض بلادي_لحسن بوضاض

قمة الأناقة الديبلوماسية و اللباقة في توجيه رسائل واضحة .خاطب المغاربة،وخاطب الشعب الجزائري بادبيات وأسلوب مرجعيتها الاواصر التاريخية و الأخوية و دعاه لاستكشاف المغرب على الواقع لا على المواقع .دعوة لن تتحقق للأشقاء في الجزائر ما لم يلبي نظامهم قبول فتح الحدود دون شروط و لا قيود غير تغليبه الحكمة والمصالح العليا للبلدين عوض شعارات جوفاء تقادمت بفعل المتغيرات الاقليمية والدولية .

هنا ترمى الكرة هذه المرة بملعب النظام الجار وشعبه معا ،ويزداد احراجه أمام مواطنيه خاصة في ظروف الجائحة و شح الاكسجين والماء و….

وفي ظروف أزمات كهذه ،تظهر حاجة الشعوب لجيران يخففون عنها المحنة قدر الاستطاعة. ولأن ظروف دول الجوار لها من الأزمات الداخلية ما يكفيها ،فلا مناص من استنجاد الشعب الجزائري بأشقاءه المغاربة ،وحتى قبل أن ينادي،فالمغرب جاهز ويمد يده للخير.

وبالمقابل ،فالمواطن الجزائري في عصر تقدم تكنلوجيا الاعلام والتواصل يزور المغرب في العالم الافتراضي و يتابع عن كثب ريادة المغرب في التصدي للوباء ، و تدبيره المحكم للحفاظ على الأمن الغذائي و السلم والاستقرار الاجتماعي لمواطنيه .وهذا كله ورغم الجائحة العالمية لم يمنع المغرب من المضي قدما في استثمارات وأوراش كبرى تعود بالنفع على المغرب و شركاءه بافريقيا والعالم في اطار سياسة رابح-رابح .

هو خطاب ملكي قمة في التبصر والحكمة والرزانة الدبلوماسية عندما يقول جلالته: “ندعوكم لفتح الحدود و تجاوز قرارات أسلافنا التي لم نكن نحن من إتخدها و أسبابها أصبحت متجاوزة ، و كذلك لنتحمل مسؤليتنا أمام الله للرقي بمصالح شعبينا ”

ولعل الجسم الدخيل الذي كان سببا في التوتر لم يعد له وجود الا في العقول المغلقة،فبعد عودة قوية للمغرب للاتحاد الافريقي و ماتلاها من نجاحات وشراكات وعلاقات جدية،وبعد نهضة تنموية شاملة باقاليمنا الجنوبية رافقها طرح ديبلوماسي جدي ومعقول وعادل أقنع المنتظم الدولي ،وبعد اعتراف أمريكي موثق بمغربية الصحراء و ثقة دول افريقية بمصداقية المغرب لترفض الجسم الدخيل وتقرر فتح قنصلياتها بمدن الصحراء المغربية .

ودعونا نتامل كيف خاطب جلالة الملك محمد السادس النظام الجزائري: (لا فخامة الرئيس الحالي ولا السابق للجزائر ولا أنا مسؤولون عن إغلاق الحدود.)

جلالة الملك أثبت أن المغرب أكبر بكثير من الإفك المزعوم لأعداء الوحدة الترابية، والأواصر المتجدرة بين الجارين.

 

” فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين.

لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله”. يقول جلالة الملك

 

ويذكر جلالته من باب التوكيد :” وقد عبرت عن ذلك صراحة، منذ 2008، و أكدت عليه عدة مرات، في مختلف المناسبات”.

الخطاب السامي هو درس اولا في الأخلاق والانسانية و الأعراف الدولية و قدوة في احترام أصول التواصل والخطاب و مثال للوفاء بالاتفاقيات والمعاهدات .ومع ذلك يقول جلالة الملك:

نحن لا نريد أن نعاتب أحدا، ولا نعطي الدروس لأحد، وإنما نحن إخوة فرق بيننا جسم_دخیل، لا مكان له بيننا .

هو خطاب شجاعة وحنكة و وحكمة ورسائل للشعبين معا .شعب مغربي منسجم مع الواقع مؤمن بمستقبل واعد وراء قائده،وشعب بعضه مبرمج على تضليل و اكاذيب ترسم بذهنه صورة مغرب متخلف، وبعضه يعرف الوضعية الحقيقية للمغرب ويطمع في العيش مثلها.

 

جلالة الملك في خطاب العرش :

“المغرب والجزائر أكثر من بلدين جارين، إنهما توأمان متكاملان”

 

خصص جلالة الملك حيزا زمنيا مهما من خطاب العرش لهذه السنة، للعلاقات المغربية الجزائرية، وكأن جلالته يتبث فورا صدق مشاعره تجاه شعب يعتبره ثوأما للشعب المغربي.حيث استعرض الوضع الحالي لهذه العلاقات، وما يشوبها من خلافات وتوترات ينبغي تجاوزها، وخلص إلى أن المغرب والجزائر أكثر من بلدين جارين، إنهما توأمان متكاملان.

ومن هذا المنطلق، جدد جلالة الملك الدعوة الصادقة للأشقاء في الجزائر للعمل سويا، دون شروط مسبقة، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.

إن التعبير عن هذا الموقف الملكي الصريح، في خطاب العرش، بما يحمله من دلالات، وما له من مكانة متميزة ضمن الخطب الملكية، هو إعلان رسمي أمام شعوب المنطقة، وأمام العالم، بالتزام جلالته من أجل بناء علاقات أخوية متينة بين بلدين جارين وشعبين شقيقين.

وما يميز هذا الخطاب أنه صادق في مضمونه وواضح في لغته، لا يحتمل أي تأويل، لأنه مباشر ونابع من القلب، ومن إيمان وقناعة جلالة الملك، بضرورة طي هذا الملف، وتسوية العلاقات بين البلدين، والتوجه نحو التكامل والاندماج، الذي يعود بالنفع على جميع شعوب المنطقة، بدل إهدار الوقت الطاقات، التي ترهن مستقبل المنطقة وشعوبها.

فهذه المبادرة تنبع من قناعة صادقة وراسخة لدى جلالة الملك، بأن العلاقات بين بلدين جارين، يجب أن تكون طبيعية، وفي مستوى رصيدهما التاريخي المشترك، وأن تستجيب لتطلعات الشعبين إلى توطيد ما يجمعهما من وحدة الدين واللغة والمصير المشترك.

وقد أكد جلالة الملك بأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضيه، وليس في مصلحة الشعبين، وغير مقبول من طرف العديد من الدول.

فالجغرافيا لا يمكن أن تتغير، والحدود المفتوحة، يقول جلالة الملك، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، لأن إعلاق يتنافى مع حق طبيعي ومبدأ قانوني أصيل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معادة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي.

ويتعلق الأمر هنا بحق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين الدول، وخاصة بلدان المغرب العربي، التي لها من المؤهلات ما يجعلها فضاء مندمجا، يسوده التعاون والتضامن والإخاء، والتي من المنطقة أن توجه طاقاتها لرفع التحديات الأمنية والتنموية المشتركة.

وهذه ليست أول مرة يتطرق فيها جلالة الملك لهذا الموضوع. فمنذ توليه العرش، ما فتئ يدعو لإقامة علاقات سليمة وقوية مع بلدان الاتحاد المغاربي، وخاصة مع الجزائر. وقد دعا صراحة ورسميا لفتح الحدود، سنة 2008، وأكد على ذلك عدة مرات، وفي العديد من المناسبات.

ولأن جلالة الملك ليس مسؤولا على قرار إغلاق الحدود، كما هو شأن الرئيس الجزائري الحالي وحتى السابق، ركز جلالة الملك على مسؤولية قيادة البلدين، سياسيا وأخلاقيا، على استمرار الإغلاق، أمام الله وأمام التاريخ وأمام المواطنين.

ورغم أن هذه النداءات لم تجد آذانا صاغية من لدن الجزائر، في المرات السابقة، لتجاوز الخلافات الظرفية وحل الخلافات الموضوعية، ورغم الاعتداءات والمناورات المتواصلة والمتكررة ضد مصالح المغرب، يحرص جلالة الملك على مواصلة سياسة اليد الممدودة، قصد تسوية العلاقات بين البلدين.

جلالة الملك، في التزام علني ورسمي واضح للأشقاء في الجزائر : الشر والمشاكل لن تأتيكم من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”.

ويضيف جلالة الملك : “لذلك نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره. والعكس صحيح، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر، لأنهما كالجسد الواحد”.

 

وفي موقف نبيل، يترفع عن الخلافات والمزايدات العقيمة، ورغم ما يتعرض له المغرب ومؤسساته ورموزه من إساءة واعتداءات، في خرق سافر للأعراف الدبلوماسية ، عبر جلالة الملك عن أسفه للتوترات التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية، داعيا إلى “تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا.

 

هو خطاب اذن يضع نوايا النظام الجزائري وإرادة حكامه وتوجهاتهم وخطاباتهم الشعبوية أمام اختبار كبير ، و يعزل دعاة الحقد الممنهج في زاوية ضيقة على محك حقيقي أمام المواطن الجزائري ،فاما ان يردوا التحية بمثلهاو يرحبوا بيد المغرب الممدودة للسلام ورخاء الشعبين ،واما ان يضعوا في اذانهم وقرا ويكون المغرب مرة أخرى أشهد عليهم كل العالم أن حكام هؤلاء قوم لا يفقهون.

فقبل كل شيء وكما ورد بمقدمة الخطاب المولوي: “فالمغرب دولة عريقة ، وأمة موحدة ، تضرب جذورها في أعماق التاريخ. والمغرب قوي بوحدته الوطنية ، وإجماع مكوناته حول مقدساته.

 

وهو قوي بمؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه ، وعملهم على تنميته وتقدمه ، والدفاع عن وحدته واستقراره.

 

إن هذا الرصيد البشري والحضاري المتجدد والمتواصل، هو الذي مكن بلادنا من رفع التحديات، وتجاوز الصعوبات ، عبر تاريخها الطويل والحديث”.

وكما تقدم ديباجة الخطاب الملكي اجابات شافية كافية على كل الاوهام التي يسوقها أعداء الوحدة الترابية،وبعد شكر جنود الصف الأمامي على التصدي لوباء كوفيد19 ،تأتي خاتمة الخطاب عطفا على مقدمته وتناسقا معه شكلا ومضمونا بشكر الصف الأمامي على تصديه لكل التحرشات الأمنية .

قال جلالة الملك :”نغتنم هذه المناسبة المجيدة، لنوجه تحية إشادة وتقدير إلى كل مكونات القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والقوات المساعدة ، والوقاية المدنية، على تفانيهم وتجندهم الدائم ، تحت قيادتنا، للدفاع عن وحدة الوطن وسيادته، وصيانة أمنه واستقراره.” ومسك الختام اية كريمة خلاصة للكلام وبيان وفصل الخطاب : قال تعالى ” إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا “. صدق الله العظيم