سماء البيضاء

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_
الدكتور عبد العزيز حنون – طبيب صحة وقائية – إعلامي_

 

 

 

 

 

في مدينة مليونية تعج بالحركة ليل نهار، ووسط بنايات عمودية تحجب النظر في كون الله الفسيح، اكتشفت أنني لم أرفع رأسي يوما لتأمل سماء البيضاء كما أفعل في سكون ليل بهيم بدكالة، مسقط رأسي. لم أفعل ذلك لأن الأفق محدود وحركة المكان والزمان السريعة، حد الجنون، تلهيك عن اقتطاع وقت لرؤية السماء. ربما أنتم أيضا لم تفكروا يوما ما في النظر إلى سماء البيضاء.
قررت أن أراقب غروب يوم من الأيام، فاختفت عني الشمس نصف ساعة أو أكثر قبل غروبها الفعلي لان البنايات تحجب الرؤية عن مراقبتها حتى انتهاء آخر قرص منظور. لكنني تأملت ما بقي من السماء فوجدتها مملوءة بسحاب داكن بلا شتاء و في عز الصيف. سحاب قال لي أحد الاخصائيين في البيئة إنه تلوث الغازات المنبعثة من ملايين السيارات والعربات التي تجول في العاصمة يوميا و من مصانع المدينة، مختلطة مع بعض الضباب، مما يجعل البيضاء مكسوة بشكل شبه دائم بطبقة ضباب من التلوث المستمر. البيضاء نقطة سوداء في التصنيف الدولي للمدن الملوثة.
قبل المغرب بدقائق ترى بعض الطيور تكسر جو السماء المكفهر : طيور عوا أو النورس تعود في مجموعات متفرقة اتجاه البحر. أيضا بعض الحمام البري الذي يشبه كريكر، و بعض الحمام الداجن الذي يربيه بعض الهواة. طائر “طير بكر” بدوره له حضور متقطع لكنه يفضح تلوث الارض أيضا لأن لونه الأبيض يصبح بفعل العيش في المزابل ملطخا بالسواد، هو وطائر النورس يتقاسمان الوسخ. أيضا بصرت طائرا أسود اللون وفي جماعات كثيفة، قيل لي أنه طائر الزرزور الذي يتنقل بجمالية أكبر وبنظام محكم يثير انتباه علماء الاجتماع و يرسم لوحات جميلة في الفضاء بين مقدمة السرب وأطرافها و مؤخرتها. لا حظت كيف أن بعض المتأخرين عن الرکب يبذلون مجهودات كبيرة للالتحاق بالمجموعة، مثنى أو فرادی يضاعفون الجهود مستعجلين الوصول إلى الکافلة،بکاف منقوطة، التي سبقتهم بيسير من الوقت، لكن يجدون صعوبة في ذلك، فتذكرت قول أهل الصحراء الشرفاء ((لي كال الكافلة ما تمشيش الله يتليه وراها)).
حاولت أن أتأمل سماء البيضاء ليلا فلم أر إلا الأضواء الصناعية تصطدم بالتلوث المستمر فترسم سماء حمراء اللون تحجب عنك نهائيا أن ترى ولو نجما واحدا في كون الله الفسيح.