صباح العيد ..ما قبل الذبيحة (1)

جريدةارض بلادي_الدار البيضاء_
الدكتور عبد العزيز حنون – طبيب صحة وقائية – إعلامي-
مبارك عيدكم وخصوصا الفقراء والمهمشين
في صباح يوم العيد بالدوار توجهت أنا وسي عبد القادر نحو روضة “سيدي البداوي” من أجل جلب “الكشير”… حمل معه منجلا و قفة من الحجم الكبير مصنوعة من “الوظيفة”… كان ما زال شيء من الطل ينبعث من تنفس الصبح ويعطى برودة مؤقتة منعشة في فصل صيف مرتفع الحرارة. “الكشير” -بالكاف منقوطة- هو سعف الدوم… من خصائصه صلابة أليافه و هو يصلح أحسن من النخيل في صنع الحبال و البردعات والشواريات و “التلاليس”و “المديونيات” وغيرها من أدوات الاستعمال المنزلي والفلاحي بعد توليف و “توظيف” هذه الالياف وخياطتها بما يناسب.. نرجع في مقال قابل لهذه “الوظيفة” وأنواعها.
“الكشير” أو الدوم الخشن له جذع شائك و أليافه تترك أثرها على اليد إذا نزعتها بيدك مباشرة بدون وسيلة… المنجل يساعد على حشها بلا مشاكل اللهم بعض اللسعات الحادة التي تصيبك بعد تشتت الانتباه وارتطام اليد مع الجدوع أثناء قطعها بالمنجل أو أثناء ترتيبها في القفة…عدنا محملين، بل الأصح، حمل سي عبد القادر ابن الجيران الخدوم القفة مملوءة عن آخرها ورجعنا… عند وصولنا قالت له سيدة المکان جدتي “مي طامو” رحمها الله “حطها آوليدي حدا البير وآجي تفطر..”. سعف الدوم في العيد الكبير له وظيفة أخرى غير تلك “الوظيفة” التي سأحدتكم عنها فيما بعد إن شاء الله… يتم بسطه في مكان مناسب في “المراح” ليكون فراشا للخروف أثناء عملية الذبح حتى لا تتسخ “السكيطة”، لأن الذبح كان يتم مباشرة فوق التراب.
يتم ذبح أملح الخرفان من القطيع مباشرة… اختياره و تهييؤه يکون خلال شهور من الاعتناء الخاص، فيصبح مذللا يأكل كل ما لذ وطاب من أنواع الشعير والفول، بخلاف النعاج الأخرى التي تكتفي بشيء من التبن أو ما تلتقطه من “المسرح” او من “الكرمومة” من بقايا ”الدراس“… الكرمومة مصطلح دلالته الأصلية غير تلك المتداولة حاليا.
أتذكر خروفا كان فقد أمه فتم “ترويمه” للبقرة… “رومو” مصطلح جدير أيضا بالتوضيح لكن ليس هنا… لغتنا الدارجة جميلة و غنية جدا ! ما علينا، رضع هذا اليتيم منذ يومه الأول مباشرة من البقرة… ازداد وزنه بسرعة فأصبح حسن الهيئة خفيف الحركة… ألفه وألف كل من في الدار. لم يکد يبلغ عامه الأول حتى أصبح كالثور…كانت له حرية لا تتاح لأي من قاطني الزريبة.. يتحرك بلا قيود… يمر من هنا إلى هناك بدون كابح… تكونت لدينا عليه عاطفة خاصة وهو أيضا… دائما يتبعنا وينتظر مداعبتنا المتعبة احيانا… أصبح يعرفنا ونعرفه جيدا.. مرة يتحكك علينا من أجل ممازحته واللعب معه، ومرات کثيرة کنا نركب عليه فيقف منتصب القامة كالحصان المدرب… كان يخاطبه أهل الدار إذا أكثر المشاغبة ويفهم المقصود… وخصوصا إذا هم بالدخول إلى تلك الغرف المفتوحة مباشرة على الفضاء ( القبة و الكشينة و بيت سيدي) آنذاک تسمع صوت جدتي رحمها الله منبعثا من أحد زوايا الخيمة : “تا سير بعد لهيه آهيا نيح آه”