طقوس الكاتب خلال شهر رمضان مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي-ليلى التجري-

لا شك في أن شهر رمضان يكتسي أهمية خاصة في حياة المسلمين عموما، فبالإضافة إلى الطابع الروحي الذي يهيمن على حياة الناس باختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، مما يجعلهم يميلون إلى إحياء بعض التقاليد والممارسات الدينية، التي ترتبط بهذا الشهر تحديدا، فإنه كذلك يكسر رتابة التدفق الزمني، من خلال تغيير مواعيد حيوية في حياتهم، فتنقلب نتيجة لذلك رأسا على عقب، إذ تتغير عاداتهم، ومواعيدهم، ويصبح للإيقاع الزمني وقع مختلف، يؤثر على الناس نفسيا وبيولوجيا.. لذا من الطبيعي جدا أن يؤثر هذا الشهر على المبدعين كذلك باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من مكونات المجتمع، يسري عليهم ما يسري على جميع فئاته، ويجد هذا التأثير مبرره في الانقلاب الذي يعرفه مسار يومياتهم، خاصة إذا علمنا ان أغلب الكتاب تستهويهم المقاهي لممارسة فعل القراءة والكتابة، ييد أنها تغلق أبوابها في نهارات شهر رمضان، لتعوضها بالليالي، التي غالبا ما تصبح خلالها مكتظة بالرواد، ولا تتيح بذلك للمبدعين فرصة للقراءة او الكتابة، فيكون الكتاب مضطرين لاجتراح طقوس مختلفة، لعلها تسعفهم في تحبير بعض الكلمات، أو يخلدون للراحة والكسل في انتظار العودة إلى الحياة العادية بمواعيدها المعروفة.
شخصيا تستهويني في هذا الشهر قراءة الكتب التراثية.. وغالبا ما أعيد قراءة كتب بعينها، منها “الإمتاع والمؤانسة” لأبي حيان التوحيدي، او أنغمس في قراءة كتاب لسان العرب لابن منظور، مستمتعا بالتوليد اللغوي للكلمات واشتقاقتها ومعانيها المتعددة، وبالنصوص التي تحيل عليها كشواهد. هذا الأمر يستغرق مني كثيرا فيمر الزمن سريعا، وكأنه تيار مائي يجري في واد منحوت الجوانب يساعد على تدفقه، كما تستهويني مخترات شعرية، أحتفظ بها في مكان خاص، تجمع بين دفتيها عيون الشعر العربي قديمه وحديثه، أقرأها بنهم، وأكرر قراءتها بمتعة لا تضاهى. اما الكتابة فنادرا جدا ما اقوى عليها، لأنها تتمنع علي، مطالبة بطوقوسها المعتادة،والتي لا تبغي عنها بديلا.. لذا اكتب فقط بعض المقالات الخفيفة، التي لا تتطلب كثيرا من التركيز، او لسجل بعض رؤوس الاقلام التي اعود لها لاحقا حين تتوفر لظروف المناسبة، لكن عموما لا يمكنني التركيز كتابة عملي سردي طويل.
كما استغل فرصة الصيام لإنقاص بعض الوزن، فانهمك في ممارسة المشي لمسافة طويلة، قد تستغرق ساعات، تكون فائدتها مؤكدة، تعود على النفس والجسد بمنافع لا ريب فيها. كما أن رمضان غالبا ما يكون فرصة لمشاهدة بعض الافلام التي كنت أؤجل رؤيتها بسبب ضيق الوقت والانشغال بالقراءة والكتاب والالتزام بأوقات العمل التي تستهلك وقت الإنسان وحياته دون ان يشعر بذلك.