قلم الحبر الجاف وريشة المداد _ الدكتور و الكاتب عبد العزيز حنون _

جريدة أرض بلادي -عبد العزيز حنون –

لعلي انتمي لجيل الانتقال من الريشة والمحبرة إلى قلم الحبر الجاف. كنا نستعمل الحبر المائع في الدواة إذا لم تتدبر امره بكيفية حذرة قد تلطخ الدفتر والطاولة وقد تنال العقوبة بعنف كان هو الوسيلة اليومية للتحفيز على التحصيل الدراسي بالمغرب. بعدها ظهر قلم الحبر الجاف وبدأ استعماله مطلع سبعينات القرن الماضي من طرف الأساتذة أولا في كتابة المذكرات ووضع النقط، لكنه كان يمنع منعا باتا استعماله من طرف التلاميذ . قيل لنا وقتئد أن استعمال الريشة احسن للتدرب على الكتابة الجيدة خصوصا في الفرنسية حيث ترقيق وتغليظ أطراف الحرف الواحد يحتاج مرورا تدريجيا بين تضاريسها و انت تنحث الكلمة الواحدة فما بالك بالسطر والفقرة مع معلمين لا يقبلون إلا التطبيق الحرفي للقواعد..

 

لكن مع مرور الوقت أصبح لا يكتب بالريشة إلا من لا يتوفر على قلم حبر جاف.. كان الفقر يمنع كثيرين من شراء قلم ببضعة ريالات.. وهكذا احتل الحبر الجاف مكان الحبر المائع و الدواة والريشة. وبينهما كان الحل الوسط وهو الريشة التي تحتوي على قربة يمكن ملؤها.. تشبه محقنة الدواء ..نمتص من المحبرة ونملاها .. لكنها كانت هي بدورها مجلبة للمشاكل لأنها كانت تساهم في تلطيخ المقلمة برمتها نظرا لبعض التسربات اثناء ضغط لا ارادي غير مرغوب فيه أو نظرا لاهترائها ..

 

بعدها ترسم قلم الحبر بأنواعه.. الجيدة والرديئة أيضا..كنا نحاول الحفاظ عليه من الفيضان حتى يعمر معنا طويلا بلا مشاكل.. يحدث ان يفيض فكنا نحاول إصلاحه إن بقي فيه بعض المداد المتقطع في الأنبوب. كنا نمسح المداد المهرق بالأوراق ونتفادى غسله لأن الماء ييبسه في الحين ولا ينفع معه بعدها أية محاولة استدراك .. كنا ننفضه أو ننفخ في الأنبوب كي يتجمع ما بقي من المداد الذي يبدو متقطعا تفصل بينه فراغات الهواء..احيانا كانت شفاهنا تعلق بها زرقة المداد وربما الأسنان أيضا، اما اليدان فلا تسأل عن حالتهما.

 

تذكرت هذه المشاهد وعادت بسرعة للذاكرة بعدما عثرت على قلمين ازرقين بدون غشائهما( هما في الصورة المرفقة) في نفس الوقت وعلى بعد مائة متر تقريبا فاصلة بينهما .. أتفاءل خيرا عندما أجد قلما ولن اتجاوزه ابدا ولو كان “قرطة” قلم رصاص .. فهو رسالة ربانية لطلب العلم من ربنا الأكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم.. وما أكثر ما لا نعلم..