لماذا دائماً نزرع ونرفض الحصاد ؟!!

بقلم د. شريف عبدالباقي

الهواء من حولنا هو ذلك النسيم العليل الذي يداعب سطح المياة في البحيرات والأنهار لينعشنا وينقي عقولنا وأفكارنا في أماكن وظروف محددة … وفي أماكن أخرى وتحت ظروف مغايرة يكون هو نفسه العواصف المدمرة والأعاصير التي تطيح بكل من يقابلها وتقتلع كل مايقابلها من أشجار ومباني وجسور لتزرع الرعب والخوف بداخلنا … وفي كلا من الحالتين هو نفس الهواء الذي نحتاج إلى تنفسه داخل رئتينا بجميع عناصره لتكتمل عملية التنفس ويمدنا بالحياة … فإما يكون هواء نقي يمدنا بالصحة والانتعاش أو يكون مليئ بالأمراض والأتربه والمايكروبات ويجعلنا مرضى وضعفاء !! .
فوجود الإنسان على المستوى العضوي واستمرار بقاءه على قيد الحياة يكون نتيجة تفاعل بينه وبين البيئة من حولة … فامتلاكه لرئتين ليس فقط كافياً لأن تتم عملية التنفس بدون الهواء من البيئة الخارجية من حوله … أو امتلاكه لجهاز هضمي ليس كافياً وحده لتتم عملية تغذية جسده وامداده بالعناصر الغذائية التي يحتاجها دون الحاجة إلى الطعام من بيئته … حتى لكي يتحرك بأقدامه فلابد من وجود أرض لتدب عليها أقدامه ليتحرك ويمشي … فامتلاك الإنسان لجهاز تنفسي وجهاز هضمي وأطراف وحده ليس كافياً أن يعيش ويحيا دون وجود مايتفاعل معه من بيئته في هذه الحياة ويعد درباً من دروب الخيال أن يستطيع الإنسان التنفس ذاتياً مع نفسه دون الحاجه إلى الهواء أو يتغذى ذاتياً دون الحاجة إلى طعام !!… وفي الوقت نفسه قوته وصحته تعتمد على ماتمده به البيئة من حوله من هواء وطعام نقي وسليم وصحي أو أرض مستوية تساعده على السير وعلى العكس من ذلك يصبح ضعيفاً ومريضاً إذا ماكان يتفاعل معه من بيئته غير صحي وملائم وفاسد .
هذا من جانب وجود الإنسان بيولوجياً على قيد الحياة من خلال الأجهزة وقيامها بوظائفها … وإذا ماقارنا ذلك بوجوده الأخلاقي والاجتماعي لوجدنا أنه يشبه تماماً وجوده العضوي في الحياة … فجميع عاداته ومعتقداته واخلاقه لايستطيع تكوينها ذاتياً مع نفسه ولكن من خلال بيئة ومجتمع محيط به يجعله يكتسب تلك العادت والأخلاق والسلوكيات … فكلها ناتج تفاعل قدرات الأنسان من خلال التفكير والحواس مع المجتمع والقوى البيئية المحيطة به من حوله … فكل فرد لايستطيع الاستمرار في الحياة أو تكوين عادات وسلوكيات وأسلوب تفكير بدون فراغ بيئي واجتماعي يحيط به ويتفاعل معه .
إذاً تتفق معي عزيزي القارئ أن أخلاق أفراد المجتمع وسلوكايتهم وعاداتهم هي مجرد محصلة أو صدى تأثير المجتمع داخل أفراده … فكل فرد يعيش في المجتمع تعتمد سلوكاياته وعاداته بشكل أساسي على مايتفاعل معه من مجتمعه ويتأثر به … فالهواء إن كان نقياً من حول الإنسان تتفاعل معه الرئة لتمد الدم بعناصر نقيه وتنتج صحة جيدة وقوية وعلى العكس من ذلك .
وبذلك فإن المجتمع والبيئة المحيطة بالفرد شريكان معه في الاتهام والمسئولية إذا مابدر منه سلوك سئ أو عادات أخلاقية رديئة أو إرهاب يقتلع كل من يقف امامه … ولكن إذا عدنا إلى الواقع لوجدنا أن أي جريمة تقع داخل المجتمع أو انحراف سلوكي او ظهور عادات سيئة يسعى المجتمع للتخلص من مسئوليته وجريمته بإلقاء المسئولية كاملة على الفرد مرتكب الجريمة أو مصدر السلوك !!! … فكم هي فكرة مضلله أن تتعالى الحناجر من أعلى المنابر لتطالب بمحاسبة وعقاب شخص كانت جريمته وأفعاله وسلوكياته مجرد نتيجة رد فعل تأثره بما أمده المجتمع من حوله بقيم ومبادئ تفاعل معها ! … فالجميع يندد بالفساد والإرهاب وكأن مرتكبي الجرائم قادمون من كوكب آخر علينا وليس نتاج عادتنا وتربيتنا… فالجميع ينفض يده من غبار المسئولية ويلقي بها على شخص واحد ليتحمل نتيجة أخطاء مجتمع في التربية والتعليم والتنشئة والموروثات الاجتماعيات البالية وحب المصالح الشخصية وعدم التعاون والتعصب … فهل هذا الشخص وحد يكتسب كل هذه العادات البالية من داخله … فإذا أرادنا إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد في جميع المجالات فعلينا بالتركيز على الإصلاح بشكل موضوعي ونتحمل مسئوليتنا ونعترف بدورنا في الخطأ … فالأرهابي القاتل والمسئول الفاسد واللص والمتحرش والتاجر معدوم الضمير والانتهازيين وكل تلك الصور هي نتاج زرع المجتمع وحصاده … فظهور الفساد داخل المجتمع ماهو إلا حصاد مازرعه المجتمع داخل الفاسدين من قيم وعادات ومبادئ خطأ … فمن زرع حصد … فلنصلح البذرة لتنصلح الثمرة … لايغير الله مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم … اصلحوا التنشئة والتربية والتعليم وحاربوا كل عادة بالية وموروث فاسد ينصلح المجتمع بأسره من حولكم … فسلوكيات الآخرين وعاداتهم هي نتاج مابذرته بداخلهم وردود أفعالهم عليه
.