مصانع بالرحامنة تلوث الحقول وتهدد السكان بكارثة بيئية

بعيدا عن مدينة مراكش، وعلى بعد 36 كيلومترا في اتجاه الدار البيضاء، يوجد مركز سيدي بوعثمان التابع ترابيا لعمالة الرحامنة، وبعد تجاوزه ببضع كيلومترات، تصادفك كارثة بيئية بفعل المياه الملوثة التي تقذفها بعض المصانع الكائنة بحي صناعي هناك، في غياب للبنيات التحتية وقنوات الصرف الصحي.

المنطقة الصناعية ذاتها، التي خصصت لها مجموعة العمران 600 مليون سنتيم لإنجاز محطة لمعالجة المياه العادمة، بمساعدة اللجنة التقنية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، تقذف مياها تلوث الفرشة المائية وتضر بالسكان والماشية والحقول والأشجار…حسب تصريحات متطابقة لمن صادفتهم هسبريس خلال جولتها بدوار”الدوابات”، المجاور للمنطقة ذاتها.

وقال عبد القادر القادري، وهو من سكان الدوار المذكور، في تصريح لهسبريس: “المنطقة الصناعية التي انطلقت تقريبا سنة 2007، بناء على اتفاق مع المجلس الجماعي وعمالة الإقليم، كضامن لحقوقنا، ينص على جلب المصلحة لنا ولأبنائنا، ما دفعنا إلى بيع ترابنا بأرخص الأثمان”.

“لكن أحلامنا ذهبت أدراج الرياح”، يستدرك المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن “الحي الصناعي تم الترخيص بإحداثه على مساحة تقدر بـ107 هكتارات، ويضم مصانع للجلد والصوف والنحاس والزجاج، وكلها مواد تستعمل مواد كيماوية لغسلها، رغم أن المنطقة لا تتوفر لا على شبكة تطهير ولا محطة لمعالجة المياه العادمة الصناعية، التي تنتشر في الوسط الطبيعي”، على حد قوله.

“المستنقعات المنتشرة بالقرب من الدوار الذي تقطنه أكثر من 10 عائلات، كل منها تضم أكثر من 10 أفراد، تشكل مصدرا للحشرات والروائح الكريهة؛ ما سبب لنا أمراضا متعددة..كما حرمنا من بئر لم يعد ماؤه صالحا للاستعمال”، يقول الرجل البالغ من الكبر عتيا متحسرا.

“وقع آباؤنا اتفاقا مع السلطة المنتخبة والمحلية، ينص على إعطاء الأولوية لتشغيل شباب الدوار وبأجرة محترمة”، يقول الشاب العياشي بابا لهسبريس، ويضيف: “كل الوعود تبخرت؛ وحتى من تم توظيفه يتعرض للتنكيل بشكل ممنهج ويتقاضى أجرا زهيدا لدفعه للمغادرة وتشغيل آخرين من خارج الدوار”.

عبد الحميد بعمارة يرى من جهته أن “الحقول أغرقت بالأوحال، وهناك سيول تمتد على أكثر من 8 كيلومترات بجانب الطريق الوطنية الرابطة بين الدار البيضاء ومراكش، وخط السكك الحديدية قرب المدينة الحمراء من الناحية الشمالية؛ ما جعل المنطقة برمتها مهددة بكارثة بيئية حقيقية”، مشيرا إلى أن “الأشجار وحقول زراعة الحبوب ذبلت بفعل السموم التي يقذفها الحي الصناعي”، حسب تعبيره.

أما الفاعل الجمعوي صافي الدين البودالي فأشار إلى ما أسماه “تناقض أجوبة مسؤولين حكوميين على سؤالين لممثلي الأمة حول الموضوع”، مؤكدا أن “جواب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي سنة 2013 أشار إلى أن المشروع أحدث بكلفة إجمالية تصل إلى 14 مليارا و260 مليون سنتيم، وسيحدث ما يناهز 6 آلاف منصب شغل واستثمارات تقدر بـ600 مليار سنتيم؛ في حين أقرت الوزيرة المكلفة بالبيئة، حكيمة الحيطي، بأن الأضرار البيئية التي تتسبب فيها هذه المعامل خرق لبنود دفتر التحملات الخاص بالمنطقة”.

ويزيد الجمعوي نفسه موضحا أن “لجنة إقليمية دعت بلدية سيدي بوعثمان إلى إصدار قرار بوقف نشاط مصنعين إلى حين التزامهما بدفتر التحملات”؛ مطالبا بفتح تحقيق في مآل الاعتمادات الضخمة التي تصل إلى ما يناهز 15 مليار سنتيم، المخصصة لهذا المشروع، مع كشف الملابسات والظروف المحيطة بفشله وتحويله إلى كارثة بيئية، والتعجيل بحل المشكل البيئي وتعويض المتضررين.

هسبريس حاولت مرارا الاتصال برئيس جماعة سيدي بوعثمان، الذي وعد بتقديم توضيحات حول الضرر الذي يعاني منه السكان، لكنه لم يف بوعده، فحولت وجهتها نحو عبد الفتاح كمال، رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة الرحامنة، الذي أشار إلى أن الهيئة المذكورة “أدرجت موضوع الحي الصناعي في دورتين، خلال الولاية السابقة”.

وزاد المسؤول ذاته: “ناقشنا موضوع المضاربات العقارية التي كانت تعرفها بقع الحي الصناعي، فقررنا نزع كل أرض لم يتمكن صاحبها من إنجاز مشروع اقتصادي عليها”، مشيرا إلى أن “المجلس تقدم بملتمس لمؤسسة العمران لإنجاز محطة لمعالجة المياه العادمة”، مقرا بأن “الأشغال الآن جد متقدمة، وستشرع المحطة في أداء وظيفتها في غضون ثلاثة أشهر تقريبا”file1s filesrhamna1_634282987