سميرة الوانزي: من المغرب إلى ألمانيا… رحلة امرأة تُجيد بناء الجسور بين الثقافات

 

جريدة أرض بلادي _ حاورها الزميل عزيز بنعبد السلام

 

في إطار برنامجها “شخصيات…” الذي يُعنى بتسليط الضوء على الوجوه الفاعلة في المجتمع، استضافت جريدة أرض بلادي الأستاذة سميرة الوانزي تييس، رئيسة جمعية “كفاءات نسائية ألمانية مغربية”، وهي شخصية بارزة من مغاربة المهجر، استطاعت أن تجمع بين الأصالة المغربية والانفتاح العالمي من ألمانيا إلى أمريكا اللاتينية، مروراً بتجارب مهنية وتربوية ملهمة.

 

في هذا الحوار الخاص، فتحت لنا الأستاذة سميرة نوافذ على مسارها الإنساني والثقافي، ورؤيتها لواقع المرأة المغربية في المهجر، والتحديات التي واجهتها في رحلتها الطويلة.

جريدة أرض بلادي: بداية، من هي سميرة الوانزي كما تعرّف نفسها؟

سميرة الوانزي: أنا سميرة الوانزي تييس، مغربية الأصل، ألمانية التكوين والعيش، أستاذة ومربية وفاعلة جمعوية. أؤمن بقوة المعرفة والحوار، وأشتغل منذ سنوات في مجال التعليم والتواصل الثقافي. أرأس جمعية “كفاءات نسائية ألمانية مغربية”، التي أعتبرها امتداداً لقيمي والتزامي الاجتماعي. بين المغرب وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ظل هدفي دائماً هو تمكين الإنسان، وخاصة المرأة، عبر المعرفة والتبادل الثقافي.

جريدة أرض بلادي: أين وُلدتِ وكيف كانت طفولتكِ؟

 

سميرة الوانزي: وُلدت في المغرب، في بيت يُقدّس العلم ويحترم الكلمة. كانت طفولتي بسيطة لكنها غنية بالأحلام والأسئلة. كنت فضولية بطبعي، كثيرة التأمل في الناس والعالم، وهذا الفضول قادني لاحقاً إلى اللغات والثقافات المتعددة.

جريدة أرض بلادي: كيف انعكست تجربتكِ بين المغرب وألمانيا على شخصيتك ومسارك المهني؟

سميرة الوانزي: التجربة لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت رحلة فكرية وروحية. في المغرب تعلمت المرونة والانتماء، وفي ألمانيا تعلمت الدقة والانضباط. عملي في المؤسسات التعليمية هناك جعلني أكون جسراً بين الأجيال والثقافات.

جريدة أرض بلادي: تتقنين خمس لغات، كيف ساعدك ذلك في بناء تواصلك الثقافي؟

سميرة الوانزي: اللغة بالنسبة لي نافذة على عقل الآخر وروحه. إتقاني لخمس لغات جعلني أكثر انفتاحاً، وساعدني على فهم المجتمعات التي أتعامل معها بعمق، كما فتح لي أبواباً مهنية وإنسانية لم أكن لأبلغها لولا ذلك.

جريدة أرض بلادي: ما الذي دفعك لتأسيس جمعية “الكفاءات النسائية الألمانية المغربية”؟ وما أهدافها؟

سميرة الوانزي: الدافع إنساني أولاً. رأيت نساء يملكن كفاءات كبيرة لكن لا يُسمع لهن. أسسنا الجمعية لنمنحهن منصة تعترف بجهودهن وترافقهن في تحديات الاندماج، دون التخلي عن الهوية أو الطموح.

جريدة أرض بلادي: حدثينا عن تجربتكِ في البعثة الثقافية الألمانية بالبرازيل، وما تعلمتِه عن التعددية الثقافية هناك.

سميرة الوانزي: البرازيل كانت تجربة فريدة. التعدد هناك طبيعي وعفوي. علّمتني أن التعدد ليس عائقاً بل غنى. الإنسان في أي مكان يحتاج أن يُفهم ويُحترم، وهذا ما يوحّد بين المغرب وألمانيا والبرازيل رغم الاختلاف.

جريدة أرض بلادي: ما أبرز التحديات التي واجهتكِ في وزارة التعليم والثقافة الألمانية بولاية هسن؟

سميرة الوانزي: التحدي الأكبر كان دمج التعدد الثقافي في المناهج التعليمية. عملت على مفاهيم مثل “الانتماء المتعدد” و”الهوية المركبة”، بهدف جعل المدرسة فضاءً يحتضن جميع الخلفيات دون فقدان البُعد التربوي.

جريدة أرض بلادي: كيف ترين دور المرأة المغربية في المهجر؟ وما المبادرات التي تدعمين بها النساء؟

سميرة الوانزي: المرأة المغربية قوية، لأنها توازن بين الاندماج والحفاظ على الأصول. نرافق النساء في الجمعية من خلال التكوين المهني، الدعم القانوني، والإرشاد النفسي، بهدف تحقيق الاستقلال والاعتراف المجتمعي.

 

جريدة أرض بلادي: ما مدى قدرة الجمعيات الثقافية على تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان؟

سميرة الوانزي: أراها القلب النابض للمجتمع المدني. الجمعيات تُحرك ما لا تُحركه المؤسسات، وتتكلم بلغة الناس. عبر مشاريع بسيطة ولكن عميقة، يمكن خلق جسور حوار حقيقية بين الثقافات.

جريدة أرض بلادي: شاركتِ في عدة مؤتمرات دولية، هل هناك موقف ترك أثراً خاصاً فيكِ؟

سميرة الوانزي: نعم، في مؤتمر بفيينا، تحدثت عن المرأة المهاجرة. بعد اللقاء اقتربت مني شابة مغربية باكية وقالت: “شفتيني وأنا ما كنتش باينة”. كانت لحظة مؤثرة جداً، أكدت لي أن الكلمة الصادقة قد تُحرر إنساناً.

 

جريدة أرض بلادي: كيف يمكن نقل تجربتكِ في ألمانيا إلى العمل الجمعوي بالمغرب؟

 

سميرة الوانزي: ألمانيا علمتني أن التنظيم أهم من الحماس. المشروع الناجح يحتاج خطة ومتابعة. المغرب غني بكفاءاته، وما نحتاجه هو فقط آليات لتدبير الطاقات بشكل مستدام وتشاركي، دون أن نفقد خصوصيتنا الثقافية.

 

جريدة أرض بلادي: أخيراً، ما هي مشاريعك المستقبلية؟

 

سميرة الوانزي: نطمح لتوسيع الجمعية أوروبياً لتشمل نساء من خلفيات متعددة، وإطلاق مركز ثقافي نسائي متعدد اللغات. كما أشتغل على كتاب يُوثق هذه الرحلة بين الضفتين، بتحدياتها وأحلامها.

 

جريدة أرض بلادي: شكراً جزيلاً لكِ أستاذة سميرة على هذا الحوار العميق والمُلهم. نتمنى لكِ المزيد من التوفيق في مسيرتك الإنسانية والثقافية.

 

سميرة الوانزي: الشكر لكم على هذه المساحة، وعلى اهتمامكم بإبراز أصوات الجالية ومجهودات المجتمع المدني.