جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
جددت دعوة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج للإسراع بإيجاد حلول للاكتظاظ بالمؤسسات السجنية النقاش حول الطرق الفعالة لتجاوز هذه الظاهرة التي تهدد باختلالات وانفلاتات أمنية داخل السجون.
وبلغ عدد السجناء بالمؤسسات السجنية في المغرب، بتاريخ 7 غشت 2023، 100 ألف وأربعة سجناء، وهو رقم قياسي، علما أن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية حاليا لا تتجاوز 64 ألف و600 سرير، وفق أرقام صادرة عن مندوبية السجون.
وعبّرت المندوبية عن قلقها البالغ لتسجيل هذا التزايد المهول، مطالبة السلطات القضائية والإدارية بالإسراع لإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية لتفادي ما قد يترتب عن هذا الوضع الإشكالي المقلق من اختلالات أو حتى انفلاتات أمنية، علاوة عن المشاكل التي من المفروض أن تنتج عنه في ما يتعلق بظروف الإيواء والتغذية والتطبيب والاستفادة من برامج التأهيل لإعادة الإدماج.
إطار قانوني متقادم
يرى محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن تأثير الاكتظاظ على ظروف إيواء وإعادة تأهيل السجناء، إضافة إلى إمكانية وقوع انفلاتات أمنية، يستدعي وضع حل عملي لإشكالية الاستعمال المفرط للاعتقال الاحتياطي، وإخراج القانون الجنائي إلى حيز الوجود؛ والذي يتضمن حلا عمليا لهذا الإشكال يتمثل في سن عقوبات بديلة.
وأبرز الغالي أن الإطار القانوني الحالي لا يسعف القضاة للمساهمة في الحد من ظاهرة اكتظاظ السجون، مشيرا إلى أن مشروع القانون الجنائي المرتقب من شأنه توفير مجموعة من الحلول لهذه الإشكالية، من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، مما سيساهم في الحد من مشكل الاكتظاظ بالسجون وترشيد التكاليف.
الاعتقال الاحتياطي.. استثناء قد يصبح قاعدة
يعد الاستخدام المفرط للاعتقال الاحتياطي من الأسباب الرئيسية المساهمة في اكتظاظ السجون بالمغرب، وفق تقرير حول “وضعية السجون بالمغرب خلال الفترة 2016- 2020″، صادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، ومركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن.
وأوضح التقرير أن نسبة المعتقلين الاحتياطيين بالمملكة بلغت 39 بالمائة من المعتقلين بالنسبة لسنة 2019، و45,27 بالمائة لسنة 2020، معتبرا أن الاعتقال الاحتياطي، الذي يشكل استثناء، ينحو إلى أن يصبح قاعدة عامة بالمغرب، حيث يتم الزج بهذه الفئة من المعتقلين في السجن قبل الأوان، وفي كثير من الأحيان يتم الزج بها بسبب جنح بسيطة، وهو ما يفسر إلى حد كبير عدد أحكام البراءة والعقوبات بالغرامات أو الأحكام السجنية مع وقف التنفيذ.
وفي هذا السياق أشار محمد الغالي إلى أن الحد من الاعتقال الاحتياطي يستدعي الإسراع بسن نصوص قانونية تُتيح عقوبات بديلة، مشيرا إلى أن الاعتقال الاحتياطي يهدف بالأساس إلى تحقيق الردع العام والخاص، ومحاربة الجريمة، ومنع الإفلات من العقاب.
العقوبات البديلة.. حل مؤجل
صادق مجلس الحكومة شهر يونيو الماضي على الصيغة المعدلة لمشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة قبل عرضة للمناقشة بالبرلمان، ويهدف هذا المشروع إلى إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة والحد من آثارها السلبية وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع.
ويتضمن هذا المشروع إقرار مجموعة من العقوبات البديلة بعد الاطلاع على العديد من التجارب المقارنة ومراعاة خصوصية المجتمع المغربي لكي تكون ناجعة وقابلة للتنفيذ وتحقق الغاية المتوخاة منها؛ مع استثناء الجرائم التي لا يحكم فيها بالعقوبات البديلة نظرا لخطورتها وأخذا بعين الاعتبار حالات العود التي لا يتحقق فيها الردع المطلوب.
وميز مشروع القانون بين ثلاثة أنواع من العقوبات البديلة تهم: العمل لأجال المنفعة العامة؛ والمراقبة الالكترونية؛ وتقييد بعض الحقوق، وفي ما يتعلق بالجهات المخول لها تنفيذ هذا القانون، فإن إدارة السجون هي من ستقوم بتطبيق ومراقبة تنفيذ هذه العقوبات البديلة، مع استمرار مراقبة القاضي الذي ينفذ العقوبة بالإضافة إلى النيابة العامة.
وتتمثل العقوبات البديلة، وفق أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في العمل لأجل المنفعة العامة وهو قيام المحكوم عليه بعمل كبديل عن العقوبة السالبة للحرية لفائدة المجتمع، وذلك بغرض إصلاحه وإعادة إدماجه في الحياة الاجتماعية وتجنبيه مساوئ السجن والسجناء.
وبالنسبة للمراقبة الإلكترونية فتتم من خلال تثبيت سوار إلكتروني في معصم أو أسفل قدم المتهم، من أجل تتبع تحركاته لكي لا يتجاوز مساحة محددة، حيث تقلل هذه الآلية من نفقات الدولة على السجين، سواء المتعلقة بالمبيت أو الأكل المخصص للسجناء، وعدد الحراس، كما تحد من الاكتظاظ داخل السجون.