علاقة الأدب بباقي الفنون الجميلة تكامل أم تنافر؟ استطلاع من إنجاز مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

 

يرى البعض أن العلاقة بين الأدب وباقي الفنون تتميز بنوع من الانسحام والتكامل باعتبارها تنتمي لنفس الشجرة الوارفة شجرة الفن، وتشكل كل الفنون أغصانا لهذه الشجرة، بينما يرى البعض الآخر أن لكل فن خصائصه المائزة التي تميزه عن باقي الفنون ومن ثم وجب الحذر في التعاطي معها.

طرحنا هذا الإشكل على مجموعة من المبدعين، فتنوعت الأجوبة واختلفت، فبينما رأت القاصة فاطمة موسى وجى أن

الأدب هو صنعة كباقي الفنون، انبثقت جميعها من فوهة بركان الإبداع والإلهام. لذلك تتقاطع سبلها في الغالب، وقد تسير في خطوط متوازية. ويكاد لا يستقيم أو يكتمل أحدها دون البقية. فالمسرح والسينما مثلا لا يمكن أن ينطلقا بدون نص قصصي أو روائي يؤسس مشهدهما، والذي يلجأ لماما إلى فن آخر هو الموسيقى، التي ظلت ولا تزال مرافقة وفية للتمثيل أينما كان. وما قيل عن الموسيقى يقال على الغناء والشعر، لأن الأولى غالبا ما تحتاجه، وهما معا يضيفان للقصة، والمسرح والسينما لمسات تزيد من نجاح المشهد وتضيف له نوعا من الحسية، والمتذوقون للمسرح والسينما أدرى بذلك وأعلم. الفنون التشكيلية أيضا كانت دوما في خدمة باقي الفنون، التي تستمد منها الكثير من اللوحات، تؤثث بها خلفيات التصوير أو قاعات العروض، في المقابل، قد نجد لوحات وليدة قصة أو رواية ، فتشكل هذه اللوحات حدثا ما وتلخصه في خطوط وزخرفات وألوان. ويمكن عكس المسألة بأن يتم تخيل وتأليف قصة انطلاقا من لوحة تشكيلية.

الفنون لا تنفك تنهل من الأدب، والأخير لا غنى له عنها. علاقتهما تكامل وتقاسم، الفنون بجميع أصنافها تأخذ من الأدب أساسياتها، والأدب يستثمر كل الفنون في جميع أجناسه، هما باختصار وجهان لنفس العملة.

ذهبت الدكتورة رنيم خالد رجب إلى أن الأدب وعلاقته بالفنون كافة متكوملة بل اعتبرت الأدب مدخلا لجميع الفنون خصوصا الموسيقى والمسرح والنحت فالموسيقى دون تهذيب الروح لن تخرج سيمفونية لبقة لنا والمسرح دون الأدب لن تكتمل لديه أركان النجاح القائم عليها المسرح خصوصا النص والنحت والرسم دون أدب لن تتكون لدينا أفكار راقية تجعل الألوان تبدو أكثر بهاء هو تهذيب للفكر والروح وأيقونة للجمال لاتتجزأ..

فيما شرح الناقد ميلود فيروشة رأيه بقوله بأن للأدب علاقة عضوية بالفنون الأخرى، وهو بالتالي منبعها ومعينها الذي لاينضب،هكذا يغدو الأدب له شجرة أنساب، تتفرع منها باقي روافده وينابيعه، الأدب هو ذلك الشلال الهادر، الذي يغذي تلك الضفاف ويوردها.بدون أدب هادف وملتزم لا يمكن للرسام ان يبدع في لوحة أو تشكيل،باختياره للالوان أو تصاميم منحوتاثه، يستمدها من روائع الادب، وكذلك الفنون الدرامية من مسرح او سينما هي الأخرى لها ارتباط وثيق بالادب ْحيث جودة النصوص والشخصيات وتشخصنها ْوباقي مكونات بمسرحتها على الركح ،وكذلك السينما حيث تحضر الصورة وتتحرك ْوفقا لمنهج المخرج، حينما يقرأ نصا حكائيا، وهو بالتالي يستقصي اللحظة والمشهد معا، ويعيش تخييلا، من خلال عوالم النص الأدبي،لذلك فالأدب هو الكل، والباقي أجزاء تابعة له، لذلك فهو سيدها، لذلك فكل تلك الفنون، مرجعيتها هي الأدب الراقي ْالذي يهدف إلى الرقي بالإنسان، نحو آفاق بديلة، تضفي على الإنسان، دوره في التغيير والممانعة، نحو غد أفضل.وقيم نبيلة.

أما الأستاذ ابراهيم لخليف فتوقف عند الرأي الذي يرى أن

الأدب طريقة تعبيرية عن مكنونات الذات ولإفراغ ما ينوس ويعتمل بالخاطر. فان تملك المرء أدواته تصبح لديه القدرة على الإفصاح عما يخالجه بدقة متناهية وبأسلوب راقي. شأنه في ذلك شأن جميع الفنون التعبيرية الأخرى مع اختلاف في الوسائل. وبما أن الأدب يمزج بين الكتابة وفن الكلام فان تلك الفنون يمكن أن توظفه كوسيلة للتواصل أو كعنصر تكميلي لايصال الرسائل التي تحملها نحو الأهداف المتوخاة.

 

فيما اختلت الناقدة خديجة الحنافي رأيها بالقول بأن الأدب لوحة فنية تؤثثها قيم جمالية وفنية تتشكل على يد مبدع يتغيا منها رسالة ضمنية أو مشفرة.

 

وقد ختم الأستاذ الطيب تشرين هذخدهةالشهادات بقوله بأن علاقة الأدب بباقي الفنون الجميلة، علاقة تكامل وانصهار وتناغم .. فالقصيدة الشعرية ما هي إلا صور ناطقة.. يسجدها أمامنا الشاعر بعذوبة وجمال . الرواية أيضا تتحدث عن جميع الفنون، من رسم وتشكيل ونحت وموسيقى .. وطالما أبهرونا روائيون وهم يسردون لنا عوالم مختلفة من الفن، سواء كان هذا الفن رقص أو نحت أو رسم أو حتى موسيقى، هذه الأخيرة التي يتحدثون عنها بأسلوب آسر يجعلك مفتونا بها، أثناء القراءة وكأنها تسمعها، فالرواية تحضن جميع الفنون، شأنها شأن الشعر والقصة أيضا، تحضرني هنا احدى قصص الكاتب المغربي العصامي الذي وصل إلى العالمية، الراحل محمد شكري، ففي مجموعته المعنونة ب”الخيمة” هناك قصة غاية في الروعة فنييا، وهي قصة الخيمة التي أخذت عنوان المجموعة، في هذه القصة الإيروتيكية إن شئنا أن نسميها، شد شكري انتباه القارئ، من خلال حكيه عن راقصة تتحكم في الإيقاع، من خلال بطنها لوحده، (الذي ينط كالأرنب) على حد وصفه. قصة رائعة كتبت بفنية عالية وانصهر الأدب بالفن فيها انصهارا كاملا . التشكيل أيضا لولا النقاد المتخصصون الذين يسبرون أغوار اللوحة ويستخرجون كنوزها المخبوءة لما كنا نعيرها أي اهتمام .. وباقي الفنون الجميلة بعضها يكمل البعض و تماما كألوان اللوحة التشكيلية التي كلما كان ماهرا الرسام وعرف كيف يمزجها إلا واستخرج منها ألوان تسر الناظرين . الفنون كلها كلما عرف الفنان كيف يمزج فيما بينها إلا وخرج بتحفة فسيفسائية تبهج أذن السامع وتعجب عين الرائي.