جريدة أرض بلادي-محسين الادريسي-
يقول الدكتور د. حاتم تراب \ جامعة قابس / تونس
هذا بالأساس ما يمكن الوقوف عنده في كتاب الناقدة “خيرة جليل” برادايم التشكيل، الذي من خلاله سيقف القارئ عند مجموعة من القراءات التي تنحني على رؤية متجدّدة قد تتجاوز بحسب ظني مقاصد الفنان. بل يمكن أن يكتشف نفسه من جديد داخل نصوصها. هو برادايم التشكيل والرؤية النقدية، وهو الخطاب والخطاب الآخر، الذي يُبشّر بالاعتراف اللاّمشروط، وهو شرط ابداعي للفنان وعمله الفني.
لقد تعرّضت الكاتبة في مُستهل كتابها الى مبررات الكتابة النقدية التي تدفعها لمتابعة تجارب تشكيلية عربية، والتأسيس لها من خلال خطاب نقدي تجديدي.
الكتاب ورد على شكل نصوص مُجمّعة ترتبط كلها بمجال قراءة الفن. من خلالها سيلاحظ القارئ وجود خيط ناظم يُلملم ويرتق تجارب فنية مختلفة، ليس لغاية التوثيق والتجميع، ولكن من أجل التأسيس لخطاب نقدي راهن أساسه تثمين المحلّي والانفتاح على العالم، في اطار دعم الممارسات التشكيلية الجادة وبخلفية الحفر في المناطق المهجورة والمتروكة. وهنا تكمن قيمة هذا الكتاب الذي يقدم مادة جديدة غير مستهلكة ويؤسس لفعل تشكيلي لم تطأه أقلام أخرى، أو تم تجاهله، أو لم يُنتبه إليه، ومن خلاله تُقَلّبُ الكاتبة سؤال ماهية الفن والإبداع.
لقد اختارت الكاتبة في أسلوب كتابتها نمط الحوار الذي يخاطب القارئ، ويُسائله بما يجعله شريكا في أفكار الكتاب. هو نمط تحفيزي يستدعي القارئ للتفاعل والتشارك. والطريف في هذا الأسلوب أن الكاتبة تخرج به عمّا ألفناه في الخطاب النقدي المتداول والذي إمّا ان تكون بنيته فلسفية، مفهومية، موغلة في مَشْكَلة الأفكار، أو أدبية يحركها نفس شاعري، أو جمالية تشكيلية موجّهة لنخبة ما. بمعنى أن القارئ لدى “خيرة جليل” سيجد نفسه داخل هذا الخطاب المتعدّد. من هذا المنطلق، وعلى أساس هذا التنوع في الخطاب الفني نشير أن أوجه الابداع متعدّدة، ولا يمكن حصرها في شكل واحد، أو نمط واحد. وأن التنميط قاتل، بل ان التجاوز والبحث عن المختلف هو من روح الابداع بما أنه “إبداع”.
أخيرا، إذا جاز لنا تنزيل هذا الكتاب منزلة من واقع النقد العربي للفنون التشكيلية المعاصرة، فاننا نُبوّبُه في اطار الجهود المبذولة لتوحيد الخطاب النقدي الذي عانى ولا يزال من التشرذم بعيدا عن منطق التصنيف والترتيب التفاضلي للنصوص وخارج ضوابط البحوث الأكاديمية واكراهاتها.
محاولة “خيرة جليل”، من خلال كتابها ” التشكيل برادايم بين الانزياح الفني المجدد والنقد الجاد” هي تعبير حر وتفكير شارد لحلم راهنت علي تحقيقه، بما تظهره من نوايا صادقة لمشروع منهجي يتردد صداه الى أبعاد انسانية متغلغلة في نَفَسِ الكتابة لديها. هو صوت يُغرّد من المغرب الشقيق، يشق عباب النقد الفني بصمت وتؤدة، هاجسه توقيع بصمة مختلفة وأثر لامع داخل الخطاب النقدي التشكيلي العربي المعاصر، وأظن أنّ صوته بدأ يُسمع صداه…..وسيكون لهذا الكتاب كما وصاحبته تأثير كبير عل الفن العربي خصوصا ان صاحبته طافت العالم ولها خبرة كبيرة بين الكلريهات والمتاحف العالمية .