رجال وكلاب لمصطفى لغتيري إضافة نوعية للرواية المغربية

جريدة أرض بلادي_

_ميلود فيروشة_

مجالات الكتابة الروائية متعددة بتعدد عوالمها ودوالها وثيماتها كذلك:

تقع الرواية في 78 صفحة، بطبيعة ثانية، عن غاليري الأدب، وبذلك تنضاف لسيل من روايات المبدع لغتيري ولزخمه المتنوع. هذا المنجز الروائي،رجال وكلاب يتداخل فيه الجانب الأسري، أو كما سماه ْالناقد حسن المودن بشجرة، الانتساب العائلي، بداية من الجد فالأب والعمة والابن، والجانب النفسي والسيكولوجي، ثم حضور المتلقي، أو كما سماه السارد القارئ المفترض، وهو دعوة لإشراك القارئ الحاذق في العملية الإبداعية.

انطلق الحكي ،من خلال مشهد، تبدى للسارد، وهو يرى شخصين، يعتقلان صاحب متجر، اعتاد التبضع منه، هاله المشهد، وبالتالي تملكته الحيرة، وهو يحادث نفسه، عن السبب. استقل سيارة أجرة، متجها صوب مخفر الشرطة،للاستفسار، ولإبلاغ اهل التاجر بالموضوع، لكن سرعان. ما اندهش،لأن السائق يشبهه، تفاقمت شكوكه. وصل المخفر، لم يحصل التواصل مع شرطي في الباب الرئيسي ،تم طرده، وعاد خاسئا، وحزمة من الأفكار والتوجسات تنال منه، ومن هنا ،بدأت مخاوفه، واستشرت الأوهام تباعا الى دواخله ْلينطلق التأزيم وتتشعب الحكاية ويتداعى السرد على لسان علال الشخصية المحورية في هذا المنجز الغرائبي.

شجرة الانتساب والوصف الملعون:

استهل السارد حكايته بالجد، وهو فلاح عادي،يربي كلبا. يصطاد به، هذا الكلب سيصاب بالسعار ،ويختفي دون رجعة. الجد هو الآخر سيصاب بلوثة الجنون بسبف فقدان الكلب، ستؤدى به الى مشابهة الكلب في كل تصرفاته، بدءا من الاكل والشرب وأفعال أخرى ،مما أدى إلى توصيف الأسرة بلقب بني كلبون، بحيث أضحت كنية تحقيرية، في انحاء تلك البادية، بقي الجد على تلك الحالة، حتى وتوفي .عمة السارد هي الأخرى، ورثت هذا هذا المرض الكلبي، مما جعل عائلة علال التفكير .في الهجرة الى المدينة، خوفا من تقريع الجيران. تم السكن في ضواحي البيضاء، واستطاع علال، أن يعمل عند الفاسي، في معمل للزجاج، وأن يتزوج من عاملة نظافة، وطال أمد مرض العمة، نظرا لحزنها على أبيها، لم ينفع معه لا شعوذة الفقهاء ولا تمائمهم.وتم نقلها الى بويا عمر، لتنتهي حياتها هناك.

الوهم والإختلال النفسي السيكولوجي:

تخلل هذا المنجز الروائي تمظهرات الذات، انطلاقا من حكي السارد عن تنشئته الاجتماعية، مرورا بمرحلة الطفولة ْوما رافقها من أحداث، من حيث وهن عوده ْوتشبته بأمه،وتوصيف ولد مو دليل على ذلك، خوفه من التمدرس، تقوقعه اضطراباته السلوكية، أحلامه الكابوسية، عدم مشاركته لأقرانه في اللعب، ورغم ذلك استطاع إكمال تعليمه حتى ولوجه إلى الجامعة، ومن خلال هذه المسارات، التي شكلت ْشخصيته، فقد كان للوهم ،بالغ الأثر على سلوكياته،واعتزاز نفسيته واضطرابه المعلن والخفي، ما راكمه عبر سنوات ،طوال وما حدث أحلامه المجهضة، وتبوله اللاإرادي،أضغاث أحلامه، عاداته الدفينة، انتفاء عواطفه الوجدانية، كلها تحصيل حاصل تراكمات، بصمت تاريخه ْالمثقل بشتى الإكراهات، لكنه بفضل ولعه بالقراءة والكتابة، على الاقل سينتصر عن جوانب من مطباته وكبواته ايضا. السارد وهو يروي تفاصيل الذات بمعزل على ،الدوافع التي ما فتئت تستجلب ملامح هذه الشخصية المحورية، استطاع طرح إشكالية الذات والآخر، وأن هذه الثنائية، كان له دور فعال في الإختلاف ومن ثمة التناقض، بين الواقع المعيش،والتحولات، الاقتصادية والإجتماعية التي عرفها مغرب ما بعد الأستقلال، وبروز الضواحي الشعبية بكل كارثيتها ايضا.

القارئ المفترض،أو المتلقي الحاذق:

استطاع السارد. بين الفينة والأخرى، أن يشرك المتلقي، في لعبة التسريد، حاثا إياه، أن يكون شاهدا، أو أن يدلو بدلوه أيضا في لعبة تنكرية، أو تحريضا على الشهادة أيضا، وبالتالي فهي دعوة للتشارك الانضمام لتتبع الحكي، بدل السهو، وأن يكون رابطا بينهما. وقد نجح فعلا في شد المتلقي، وحثه ودعوته للمتابعة، والسويد البياض من خلال الكتابة عن ما يجيش في الخاطر.

رجال وكلاب منجز روائي مميز، وهو إضافة نوعية لريبرتوار الرواية المغربية، في أبعادها المتنوعة الدلالات والبنيات.