رواية رقصة العنكبوت بين عنف المضمون وطرواة الشكل.

جريدة أرض بلادي_

_ميلود فيروشة_

 

عن منشورات غاليري الأدب، صدرت الطبعة الثانية لرواية الأديب المبدع مصطفى لغتيري، تزين غلافها لوحة تتعالق والعنوان.وهذه أبرز تمفصلاتها.

الواقع المر لشباب عاطل

الشخصية المحورية في هذا المنجز هو يوسف، شاب متعلم عاطل عن العمل، يعيش في مدينة البيضاء، هذه المدينة الغولْ بكل متناقضاتها، وأهوالها الرهيبة. ينتمي يوسف الى طبقة بسيطةْ. له أصدقاء اقربهم إليه سعيد وخالد. جاء على لسان السارد.(كل مساء، اعتدت ان اجتمع بلفيف من الاصدقاء ،في مقهى بحي الألفة، حيث نقطن. تخصصاتهم متعددة، ويعيشون على إيقاع البطالة)يطمحون إلى تغيير نمط حياتهم. أحيانا يزور. بعض المعارض الفنية، فهو مولع بالتشكيل. التقى صدفة هناك بفتاة، وهي طالبة جامعية، هي الأخرى تشاركه نفس الهواية، وتعارفا، وستتوطد علاقتهما فيما بعد. التقى في أحد المقاهي، برجل اسمه حسن، وهو تاجر لوحات مستنسخة، ودعاه، بعد حديث معه، لكي يشتغل عنده، مقابل مال يسديه إليه، جراء تقليد لوحات أصلية. سيغريه هذا الشخص بماله، ونظرا لبطالته وواقعه المقيت سيقبل الإشتغال عنده.(يا صديقي إذا عزمت على إنقاذ نفسك فالحل بين يدي من اللحظة.ص 11)وهكذا أذعن يوسف تحت سطوة الحاجة. تتعدد لقاءاته بمنى الفتاة التي هوى قلبه إليها، وافشى لها خبر اشتغاله، لكنها حذرته عن عواقبه المبيتة.

عنف المضمون:

يتأسس هذ العنف في تمثلات السارد،سواء وهو يستقصي ذاته ْأو ما اعتراه من تخيلات واضطرابات واقتراحات كذلك، واقعه المعيش، حديثه مع أمه وتواترته، موسيقى بوب مارلي وناس الغيوان موقعها العنيف ومضامينها الثورية، تناقضات المجتمع، تذمره هو واصدقاؤه، الجنوح إلى السكر أحيانا، في ظل بوهيمية تكاد تعصف بهم، الحديث عن الهجرة والخوف من المصير المجهول وشح ذات اليد. حواراته مع منى صديقته، التي لهارؤى تتباين عنه، نظرا لتأثير والدها، باعتبار أنه كان مناضلا. اكتشاف البطل أن التاجر حسن، وانطلاقا من حدسه الأولي أنه ليس انسانا سويا، خصوصا حينما أسرت له هدى وهي ابنة حسن ببعض الاسرار، وهي التي تدرس في فرنسا، ومنها أن أباها نذل ومقيت..كل هذه التمظهرات شكلت دوالا وبنيات وانساق هذا العنف اللامادي، الذي انطوت عليه الرواية ومأسس معمارها. اما الحدث الأبرز والدال والعميق وهو حلمه المزعج والكابوسي، وهو يرى، أنه دخل منزلا، تتوسطه لوحة، فاقترب وشاهد عنكبوتا. أراد إزالتها، فأبت وعلقت باللوحة وتضخمت، وهنا لابد من استحضار ، قصة المسخ، لفرانز كافكا، حينما تحول غريغوري سامسا إلى حشرة ومن ثمة بدأ ت تداعيات الحكي وتلاوينه وسوداويته ايضا. فهذا الكابوس المزعج عبر هذا الحلم الجارف وهروبه العنكبوت تلاحقه، يستنجد بمنزل آخر ويغلق الباب وسماعه، لطرقات العنكبوت. هذا الانخطاف الذي هز كيانه، قد يكون تحصيل حاصل لحفلة ليلة السبت، التي دعي إليها من طرف حسن مشغله، والتي هيأ لها نفسه، فتحصل المفاجأة والطامة الكبرى، بعد لقائه بحسن والذهاب سويا إلى منزله الفخم بضواحي الجديدة. بالضبط منتجع سيدي بوزيد. لم يجد يوسف اي مدعو أو ضيف في المنزل الراقي، بل بقي وجها لوجه مع حسن، الذي أبان عن شذوذه الفاجر، مما جعل يوسف، ينتفض فيه وجهه، ويكشف عن حقارته ومجونه. وامام إصراره على الإنسحاب، أراد الشاذ حسن إسكاته بمبلغ من المال(أخرج حزمة من النقود،ومدها نحوي، أمسكتها ثم رميتها على الأرضْ وقلت له لا تلزمني…….فقط اريد أغادر هذا المكان المتعفن ص97).هكذا يحضر الوعي من خلال سلوك يوسف وينتصر لبني جلدته، ويتماهى الحلم مع هذه الواقعة المشينة. ويستطيع حسن عل لسان السارد أن ينجو من هذه الورطة، ويغادر المكان ليلا في اتجاه الجديدة. وتتحقق نبوءة منى صديقته. كل هذه الأحداث المثقلة بالعنف الظاهر والخفي، تساوقت وحدث بارز، ارتأى السارد ان يتطرق إليه، وهو غزو العراق من طرف أمريكا .فهو عنف آخر أكثر قسوة كذلك.

طروادة الشكل:

هذا المنجز الروائي، يتميز بسلاسته التعبيرية، وملفوظه اللغوي بسيط، لكنه بالغ الأثر والبيان معا. جمله مسبوكة بعناية، مما يجعل المتلقي يتتبعها بشغف، دونما إسفاف أو تكرار، وبالتالي ،تركن إلى التلقائية، من حيث البساطة والنفوذ الى النفسْ. وهذا يشكل تنويعا آخر، لجر القارئ، لمعانقة القراءةوالتولع بها. فضاءات الرواية تحيل على الدار البيضاء، كمدينة تعج بالمتناقضات، حيث الأمكنة وامتداداتها والحدائق والاختناق والمدارات والاسواق وموجات البشر المتنوعة.

استطاع السارد بلسان المتكلم، واحيانا بحورارات تفي بالغرض ْأن يشدنا عبر فلاش باك، وكأنه يحيلنا إلى تقنيات السينما، من حيث الاسترجاع وبناء مشهدية الصورة والتذكر والتخييل، وملامح تعبيرية كإسقاطات، عبر التقطيع المشاهد كمخرج سينمائي، كصورة العنكبوت وتتبعها مثلا والبناية وتداعياتها وسقوطها.

وخلاصة القول إن رقصة العنكبوت منجز روائي مميز، يرصد الاجتماعي والأخلاقي واختلالات المجتمع برؤية فنية حاذقة.